٣ - (ومنها): أن قتيبة بَغْلانيّ، وابن رُمح والليث مصريّان، والباقيان مدنيان.
شرح الحديث:
(عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ ابْنَ عُمَرَ) -رضي اللَّه عنه- (قَالَ: مَنْ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ)"من" بمعنى "في"، أو هي للتبعيض، كما مرّ مرّة، أنه تهجّد في الليل، أو بعض الليل (فَلْيَجْعَلْ آخِرَ صَلَاِتِهِ وِتْرًا) أي: ليختم تهجّده بصلاة الوتر، واستُدلّ به على أنه لا صلاة بعد الوتر، وهو محمول على الاستحباب؛ لما تقدّم من كونه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي بعد الوتر ركعتين، وهو جالس، فدلّ على جوازه، وقد سبق في المسائل المذكورة في شرح حديث أول الباب تحقيق الخلاف في مسألة نقض الوتر، وأن الصحيح أنه لا يُشرع نقضه.
واستُدلّ به لأبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ- في وجوب الوتر؛ لكونه بصيغة الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
ورُدّ عنه بثلاثة أوجه:
[أحدها]: أن الأصل في الأمر وإن كان للوجوب، لكنه إذا وُجدت قرينة صارفة عن الوجوب، يُحمل على الندب، وقد صرّح علماء الحنفيّة بأن صيغة الأمر هنا ليست للوجوب، قاله القاري، وصاحب "بذل المجهود".
ولو سُلّم أنه للوجوب فهو إنما يدلّ على وجوب جعل الوتر آخر صلاة الليل، لا على وجوب الوتر.
[الثاني]: أن صلاة الليل ليست واجبة، فكذا آخرها، قال في "الفتح": قد استَدَلّ به بعض من قال بوجوب الوتر، وتُعُقّب بأن صلاة الليل ليست واجبة، وكذا آخرها، وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليله. انتهى.
[الثالث]: أنه لو ثبت من هذا الحديث وجوب الوتر لقال به ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، وأفتى به من غير تأمّل وتردّد، لكنه لَمّا استفتي عنه لم يزد في فُتياه على أن يقول:"أوتر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأوتر المسلمون"، قاله في "المرعاة"(١).