المقصود، مع أن غير هذا المسجد لا يشاركه فيها، فاجتمع في ذلك تحصيل المقصود مع الاختصاص.
وأيضًا فقد يؤخذ ذلك من فعل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في حجته حين دخل المسجد، فابتدأ بالطواف على ما يقتضيه ظاهر الحديث، واستمرّ عليه العمل، وذلك أخص من هذا العموم.
وأيضًا فإذا اتفق أن طاف، ومَشَى على السُّنَّة في تعقيب الطواف بركعتيه، وجرينا على ظاهر اللفظ في الحديث، فقد وفينا بمقتضاه. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: عندي أنه لا معنى لإخراج المسجد الحرام من هذا الحديث -كما يشير إليه آخر كلام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فإن من دخله، إما أن يكون محرمًا بأحد النسكين، أوْ لا، فإن كان محرمًا بأحدهما؛ فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف، ثم يصلي ركعتين -كما ثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فمن فعل بالسنة فقد عَمِلَ بحديث الباب؛ لأن المطلوب منه أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس، وقد وُجِد، وإن لم يكن محرمًا، فإن أراد الطواف فكذلك، وإلا فليركع ركعتين قبل أن يجلس.
والحاصل أن المسجد الحرام كسائر المساجد في طلب الركعتين قبل الجلوس، تقدَّمهما طواف، أم لا، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة العاشرة): إذا صلى العيد في المسجد، فهل يصلي التحية عند الدخول فيه؟:
قال الإمام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: والظاهر من لفظ الحديث أنه يصلي، ولكن جاء في الحديث:"أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يُصَلِّ قبلها ولا بعدها"، أعني صلاة العيد، والنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصلِّ العيد في المسجد، ولا نُقِل عنه ذلك، فلا معارضة بين الحديثين، إلا أن يقول قائل، ويَفهَم فاهم أن ترك الصلاة قبل العيد، وبعدها من سنة صلاة العيد، من حيث هي هي، وليس لكونها واقعة في الصحراء أثر في ذلك الحكم، فحينئذ يقع التعارض، غير أن ذلك يتوقف على أمر زائد، وقرائن تشعر بذلك، فإن لم يوجد فالاتباع أولى استحبابًا، أعني في ترك الركوع في الصحراء، وفعله في المسجد للمسجد، لا للعيد. انتهى.