يجزيه إلا صلاة أربع، وصوم رمضان، وكذلك أكل الميتة واجب على المضطرّ، سواءٌ كان في السفر أو الحضر، وسواء كانت ضرورته بسبب مباح أو محرَّم، فلو ألقى ماله في البحر، واضطَرَّ إلى أكل الميتة كان عليه أن يأكلها، ولو سافر سفرًا محرَّمًا، فأتعبه حتى عجز عن القيام صلى قاعدًا، ولو قاتل قتالًا محرَّمًا حتى أعجزته الجراح عن القيام صلى قاعدًا.
فإن قيل: فلو قاتل قتالًا محرمًا، هل يصلي صلاة الخوف؟.
قيل: يجب عليه أن يصلي، ولا يقاتل، فإن كان لا يدع القتال المحرَّم فلا نبيح له ترك الصلاة، بل إذا صلى صلاة خائف كان خيرًا من ترك الصلاة بالكلية، ثم هل يعيد؟ هذا فيه نزاع، ثم إن أمكن فعلها بدون هذه الأفعال المبطلة في الوقت، وجب ذلك عليه؛ لأنه مأمور بها، وأما إن خرج الوقت ولم يفعل ذلك، ففي صحتها وقبولها بعد ذلك نزاعٌ. انتهى كلام شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو تحقيقٌ مفيدٌ.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تبيّن بما سبق من ذكر أقوال العلماء في هذه المسألة، والنظر في أدلّتهم أن الراجح قول من قال: إن المسافر له القصر في السفر مطلقًا، سواء كان سفره سفر طاعة، أم سفر معصية؛ لقوّة أدلّته، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): في اختلاف أهل العلم في الموضع الذي يبدأ المسافر بقصر الصلاة فيه:
قال ابن رُشد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: قال مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الموطأ": لا يقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية، ولا يتم حتى يدخل أول بيوتها، وقد رُوي عنه أنه لا يقصر إذا كانت قرية جامعةً حتى يكون منها بنحو ثلاثة أميال، وذلك عنده أقصى ما تجب فيه الجمعة على من كان خارج المصر في إحدى الروايتين عنه، وبالقول الأول قال الجمهور.
والسبب في هذا الاختلاف معارضة مفهوم الاسم لدليل الفعل، وذلك أنه إذا شَرَع في السفر، فقد انطلق عليه اسم مسافر، فمن راعى مفهوم الاسم،