للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٨٢]، فالإثم جنس لظلم الورثة إذا كان مع العمد، وأما الْجَنَف فهو الجنف عليهم بعمد وبغير عمد، لكن قال كثير من المفسرين: الجنف الخطأ، والإثم العمد؛ لأنه لَمّا خَصّ الإثم بالذكر، وهو العمد، بقي الداخل في الجنف الخطأ، ولفظ العدوان من باب تعدي الحدود، كما قال تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق: ١]، ونحو ذلك.

ومما يشبه هذا قوله: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا} [آل عمران: ١٤٧]، والإسراف مجاوزة الحدّ المباح، وأما الذنوب فما كان جنسه شرّ وإثم (١).

وأما قولهم: إن هذا إعانة على المعصية فغلط؛ لأن المسافر مأمور بأن يصلي ركعتين، كما هو مأمور أن يصلى بالتيمم، وإذا عَدِمَ الماء في السفر المحرَّم كان عليه أن يتيمم ويصلي، وما زاد على الركعتين ليست طاعةً، ولا مأمورًا بها أحدٌ من المسافرين، وإذا فعلها المسافر كان قد فعل منهيًّا عنه، فصار صلاة الركعتين مثل أن يصلي المسافر الجمعة خلف مستوطنٍ، فهل يصليها إلا ركعتين، وإن كان عاصيًا بسفره، وإن كان إذا صلى وحده صلى أربعًا، وكذلك صومه في السفر ليس برًّا، ولا مأمورًا به، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ثبت عنه أنه قال: "ليس من البر الصيام في السفر"، وصومه إذا كان مقيمًا أحب إلى اللَّه من صيامه في سفر محرَّم، ولو أراد أن يتطوع على الراحلة في السفر المحرَّم لم يمنع من ذلك، وإذا اشتبهت عليه القبلة أَمَا كان يتحرى ويصلي، ولو أُخِذت ثيابه أَمَا كان يصلي عريانًا.

فإن قيل: هذا لا يمكنه إلا هذا، قيل: والمسافر لم يؤمر إلا بركعتين، والمشروع في حقه أن لا يصوم، وقد اختَلَف الناس لو صام هل يَسقُط الفرض عنه، واتفقوا على أنه إذا صام بعد رمضان أجزأه، وهذه المسألة ليس فيها احتياطٌ، فإن طائفة يقولون: من صلى أربعًا، أو صام رمضان في السفر المحرَّم لم يجزئه ذلك، كما لو فعل ذلك في السفر المباح عندهم، وطائفة يقولون: لا


(١) هكذا النسخة، ولعله "شرّا وإثما" أو على لغة ربيعة.