للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مشروعًا في جنس السفر، ولم يخص سفرًا من سفر، وهذا القول هو الصحيح، فإن الكتاب والسنة قد أطلقا السفر، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر} [البقرة: ١٨٤]، كما قال في آية التيمم: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} الآية [النساء: ٤٣]، وكما تقدمت النصوص الدالة على أن المسافر يصلي ركعتين، ولم يَنْقُل قط أحد عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه خَصّ سفرًا من سفر، مع علمه بأن السفر يكون حرامًا ومباحًا، ولو كان هذا مما يختص بنوع من السفر، لكان بيان هذا من الواجبات، ولو بَيَّن ذلك لنقلته الأمة، وما علمتُ عن الصحابة في ذلك شيئًا.

وقد عَلّق اللَّه تعالى ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- أحكامًا بالسفر، كقوله تعالى في التيمم: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}، وقوله في الصوم: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ}، وقوله: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: ١٠١]، وقول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يَمْسَح المسافر ثلاثة أيام ولياليهنّ"، وقوله: "لا يحل لامرأة تؤمن باللَّه واليوم الآخر، أن تسافر إلا مع زوج، أو ذي محرم"، وقوله: "إن اللَّه وضع عن المسافر الصوم، وشطر الصلاة"، ولم يُذْكَر قط في شيء من نصوص الكتاب والسنة تقييد السفر بنوع دون نوع، فكيف يجوز أن يكون الحكم معلقًا بأحد نوعي السفر، ولا يبيّن اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- ذلك؟ بل يكون بيان اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- متناولًا للنوعين.

وهكذا في تقسيم السفر إلى طويل وقصير، وتقسيم الطلاق بعد الدخول إلى بائن ورجعيّ، وتقسيم الأيمان إلى يمين مكفَّرة، وغير مكفَّرة، وأمثال ذلك مما علَّق اللَّه ورسوله -صلى اللَّه عليه وسلم- الحكم فيه بالجنس المشترك العامّ، فجعله بعض الناس نوعين: نوعًا يتعلق به ذلك الحكم، ونوعًا لا يتعلق من غير دلالةٍ على ذلك من كتاب، ولا سنة، لا نصًّا، ولا استنباطًا.

والذين قالوا: لا يثبت ذلك في السفر المحرَّم عمدتهم قوله تعالى في الميتة: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: ١٧٣]، وقد ذهب طائفة من المفسرين إلى أن الباغي هو الباغي على الإمام الذي يجوز قتاله، والعادي هو العادي على المسلمين، وهم المحاربون قُطّاع الطريق.

قالوا: فإذا ثبت أن الميتة لا تحل لهم، فسائر الرُّخَص أولى، وقالوا: