للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فَقَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("لَقَدْ هَمَمْتُ) وفي رواية البخاريّ: "والذي نفسي بيده، لقد هممت"، وهو قسم كان النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كثيرًا ما يُقْسِم به، وفيه إثبات اليد للَّه تعالى على ما يليق بجلاله، وجواز القسم على الأمر الذي لا شك فيه، تنبيهًا على عظم شأنه، وفيه الردّ على من كره الحلف باللَّه مطلقًا.

فقوله: "لقد هممت" جواب القسم، أكَّده باللام، وكلمة "قد". ومعنى "هممت": أي قصدت، من الهم، وهو العزم، وقيل: دونه.

(أَنْ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ) أي يؤمّ الناس في الصلاة، وفيه دليلٌ لجواز استخلاف الإمام، وانصرافه لعذر (ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ) أي آتيهم من خلفهم، قال الجوهريّ: خالف إلى فلان: أي أتاه إذا غاب عنه، أو المعنى أخالف المشتغلين بالصلاة قاصدًا إلى بيوت الذين لَمْ يخرجوا عنها إلى الصلاة، فأحرّقها عليهم، وقيل: معناه: أذهب إليهم، وقيل: المعنى: أخالف الفعل الذي أظهرت من إقامة الصلاة، فأتركه، وأسير إليهم، أو أخالف ظنّهم في أني مشغول بالصلاة عن قصدي إليهم، والتقييد بالرجال يُخرج النساء والصبيان، وهو منصوص عليه في رواية أحمد بلفظ: "لولا ما في البيوت من النساء والذرّيّة. . . " الحديث (١).

وقال في "العمدة": قوله: "ثم أخالف" من باب المفاعلة، قال الجوهري: قولهم: هو يخالف إلى فلان، أي يأتيه إذا غاب عنه، وقال الزمخشريّ: يقال: خالفني إلى كذا: إذا قصدك، وأنت مُوَلٍّ عنه، قال تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ} [هود: ٨٨] الآية.

والمعنى هنا: أخالف المشتغلين بالصلاة، قاصدًا إلى بيوت الذين لم يخرجوا عنها إلى الصلاة، فأحرقها عليهم، ويقال: معنى أخالف إلى رجال: أذهب إليهم. انتهى (٢).

(يَتَخَلَّفُونَ عَنْهَا) أي يتأخّرون عن حضور الصلاة، وفي رواية أبي صالح الآتية: "إلى قوم لا يشهدون الصلاة وفي رواية لأبي داود: "ثم آتي قومًا


(١) راجع: "الفتح" ٢/ ١٥٢، و"المرعاة" ٣/ ٤٨٣.
(٢) "عمدة القاري" ٥/ ١٦١.