وإنما اختلفوا في آخر وقت العشاء، قال الإمام أبو بكر بن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: اختلف أهل العلم في آخر وقت العشاء، فقال بعضهم: آخر وقتها إلى ربع الليل، هذا قول النخعيّ، ولا نعلم مع قائله حجة.
وقالت طائفة أخرى: وقت العشاء الآخرة إلى ثلث الليل، كذلك قال عمر بن الخطّاب، وأبو هريرة، وعمر بن عبد العزيز، ثمَّ أخرج بسنده إلى أسلم: أن عمر كتب أن وقت العشاء الآخرة إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل الآخر، ولا تؤخروا ذلك إلا من شغل.
وأخرج بسنده عن أبي هريرة، قال: وَصَلِّ صلاة العشاء إذا ذهب الشفق، وادْلأمَّ الليل من ها هنا -وأشار إلى المشرقِ- فيما بينك وبين ثلث الليل، وما عجّلت بعد ذهاب بياض الأفق فهو أفضل.
وبه قال الشافعي وقد كان يقول إذ هو بالعراق: وقتها نصف الليل، ولا يفوت إلى الفجر وهذا أصح قوليه؛ لأنه يجعل على المفيق قبل طلوع الفجر المغرب والعشاء، ولو كان الوقت فائتًا ما وجب القضاء بعد الفوات.
ومن حجة من قال بقول عمر بن الخطّاب، وأبي هريرة: حديث ابن عباس الذي فيه ذكر إمامة جبريل للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقالت طائفة: وقتها إلى نصف الليل، وروي هذا القول عن عمر بن الخطاب.
ثمَّ أخرج بسنده: أن عمر كتب إلى أبي موسى أَنْ صَلِّ صلاة العشاء الآخرة إلى نصف الليل الأول، أي حيث تبيت.
وبه قال الثوري، وابن المبارك، وإسحاق، وأبو ثور، وأصحاب الرأي، وقال أصحاب الرأي: ومن صلَّاها بعدما مضى نصف الليل يجزئه، ونكرهه له.
ومن حجة من قال هذا القول حديث عبد اللَّه بن عمرو.
ثمَّ أخرج بسنده عن عبد اللَّه بن عمرو، قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "وقت العشاء إلى نصف الليل".
قال: وفيه قول رابع، وهو أن آخر وقت العشاء إلى طلوع الفجر، روي هذا القول عن ابن عباس، وقال عطاء: لا تفوت صلاة الليل، المغرب والعشاء حتى النهار، وقال طاوس، وعكرمة: وقت العشاء إلى الفجر.