إذا تقرر لك هذا، علمت أن الواجب الحمل على الإدراك الكامل للركعة الحقيقية؛ لعدم وجود ما تحصل به البراءة من عهدة أدلة وجوب القيام القطعية، وأدلة وجوب الفاتحة.
وقد ذهب إلى هذا بعض أهل الظاهر، وابن خزيمة، وأبو بكر الصبغي.
روى ذلك ابن سيد الناس في "شرح الترمذيّ"، وذكر فيه حاكيًا عمن روى عن ابن خزيمة أنه احتَجّ لذلك بما روي عن أبي هريرة أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"من أدرك الإمام في الركوع، فليركع معه، وليعدَّ الركعة".
وقد رواه البخاري في "القراءة خلف الإمام" من حديث أبي هريرة أنه قال: "إن أدركت القوم ركوعًا لم تعتدّ بتلك الركعة".
قال الحافظ: وهذا هو المعروف عن أبي هريرة موقوفًا، وأما المرفوع فلا أصل له.
وقال الرافعيّ تبعًا للإمام: إن أبا عاصم العباديّ حكى عن ابن خزيمة أنه احتجّ به.
وقد حَكَى هذا المذهب البخاري في "القراءة خلف الإمام" عن كل من ذهب إلى وجوب القراءة خلف الإمام، وحكاه في "الفتح" عن جماعة من الشافعية، وقوّاه الشيخ تقي الدين السبكي، وغيره من محدثي الشافعية، ورجحه المقبلي، قال: وقد بحثت هذه المسألة، وأحطتها في جميع بحثي فقهًا وحديثًا، فلم أحصل منها على غير ما ذكرت -يعني من عدم الاعتداد بإدراك الركوع فقط-.
قال العراقيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "شرح الترمذيّ" بعد أن حَكَى عن شيخه السبكي أنه كان يختار أنه لا يعتدّ بالركعة من لا يدرك الفاتحة، ما لفظه: وهو الذي نختاره. انتهى.
والعجب ممن يَدَّعِي الإجماع، والمخالف مثل هؤلاء.
وأما احتجاج الجمهور بحديث أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- حيث صلى خلف الصفّ مخافةَ أن تفوته الركعة، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "زادك اللَّه حرصًا، ولا تعد"، ولم يؤمر بإعادة الركعة، فليس فيها ما يدلّ على ما ذهبوا إليه؛ لأنه كما لم يأمره بالإعادة لم يُنْقَل إلينا أنه اعتدّ بها، والدعاء له بالحرص لا يستلزم الاعتداد بها؛ لأن