للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: هذا الذي قاله الجمهور من إطلاق النهي هو الحقّ، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة التالية -إن شاء اللَّه تعالى-.

٢ - (ومنها): أنهم ذكروا في المعنى الذي نُهِي قاصد الصلاة عن الإسراع، وأُمِر بالمشي بسكينة أمورًا:

[أحدها]: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- فيما رواه مسلم في هذا الباب: "فإن أحدكم إذا كان يَعْمِد إلى الصلاة، فهو في صلاة"، فأشار بذلك إلى أنه ينبغي أن يتأدب بآداب الصلاة، مِن ترك الْعَجَلة، والخشوع، وسكون الأعضاء، ومن هذا أمره -صلى اللَّه عليه وسلم- مَن خرج إلى المسجد أن لا يُشَبِّك بين أصابعه، وعَلَّل ذلك بكونه في صلاة، وحكى النوويّ هذا المعنى عن العلماء.

[الثاني]: تكثير الْخُطَا، فقد رَوَى الطبراني بإسناد صحيح، عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه-، قال: كنت أمشي مع زيد بن ثابت، فقارب الخطا، فقال: أتدري لم مشيت بك هذه المشية؟ فقلت: لا، فقال: لتكثر خطانا في المشي إلى الصلاة، وقد رُوي هذا مرفوعًا من حديث زيد بن ثابت، ومن حديث أنس -رضي اللَّه عنهما-.

[الثالث]: ذَكَر المُهَلَّبُ أن المعنى في ذلك أن لا يَبْهَرَ (١) الإنسانَ نفسُهُ، فلا يتمكن من ترتيل القرآن، ولا من الوقار اللازم له في الخشوع. انتهى. وذكره القاضي عياض أيضًا.

وقال الحافظ العراقيّ: ينبني على المعنيين، أي الأوّلين عود المصلي من المسجد إلى بيته، فإن عَلَّلنا بالمعنى الأول، فقد زال في رجوعه إلى بيته كونه في صلاة، وإن عَلَّلنا بالمعنى الثاني، فيستحب أيضًا المشي، ومقاربة الخطا؛ لحديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنهما- مرفوعًا: "من راح إلى مسجد الجماعة، فخطوة تمحو سيئةً، وخطوة تكتب حسنةً، ذاهبًا وراجعًا"، وإسناده جيد.

قال وليّ الدين: وإن عللنا بالمعنى الثالث، فلا يثبت هذا الحكم في الرجوع، كما قلنا على المعنى الأول. انتهى.

قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: تعليله بالمعنى الثاني أولى؛ لحديث عبد اللَّه بن عمرو -رضي اللَّه عنه- المذكور. واللَّه تعالى أعلم.


(١) يقال: بَهَره بَهْرًا، من باب نَفَعَ: إذا غلبه.