الاستفتاح -يعني الحديث الذي أخرجه الشيخان ها هنا- فقيل له: إن بعض الناس يقول: هذا كلام، فقال متعجّبًا: وهل الدعاء إلا كلام في الصلاة ويجوز؟ والمنكر لهذا هو من يقول من الكوفيين: إنه لا يجوز الدعاء في الصلاة إلا بلفظ القرآن.
فأما الثناء على اللَّه، فمتّفقٌ على جوازه في الصلاة، وهذا مما يُرجَّح به الاستفتاح بـ "سبحانك اللَّهمّ وبحمدك"؛ لاشتماله على أفضل الكلام، فإنه إذا جُمع مع التكبير صار متضمِّنًا لقول:"سبحان اللَّه، والحمد للَّه، ولا إله إلا اللَّه، واللَّه أكبر"، وقد قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فيهنّ:"إنهنّ أفضل الكلام بعد القرآن".
وذهب طائفةٌ قليلةٌ إلى أن من ترك الاستفتاح عمدًا أعاد صلاته، منهم: ابن بطّة من الحنابلة، وربّما حُكي عن أحمد.
وقال الحكم: إذا قال: سبحان اللَّه حين يفتتح الصلاة، والحمد للَّه أجزأه، وهذا يشعر بوجوبه.
وقال إسحاق: إن تركه عمدًا فهو مسيءٌ، ولا يتبيّن لي إيجاب الإعادة؛ لما ذُكر في غير حديثٍ أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا كبّر قرأ فاتحة الكتاب.
وحكى الترمذيّ عن بعض أهل الكوفة أن حديث عليّ بن أبي طالب يُعمَلُ به في التطوّع دون الفريضة.
وقال أحمد في رواية ابن منصور: أنا أذهب إلى قول عمر (١)، وإن قال كما رُوي عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فلا بأس، وعامّة ما قال في صلاة الليل.
وقال الوليد بن مسلم: ذكرت ذلك لسعيد بن عبد العزيز، فأخبرني عن المشيخة أنهم كانوا يقولون هؤلاء الكلمات حين يُقبلون بوجوههم إلى القبلة قبل تكبيرة الاستفتاح -يعني وجّهت وجهي- قال: ثم يُتبعون تكبيرة الاستفتاح: سبحانك اللَّهمّ وبحمدك إلى آخره.
وذهب مالك إلى أنه لا يُشرَع الاستفتاح في الصلاة، بل يُتْبِع التكبير بقراءة الفاتحة، وحكاه الإمام أحمد في رواية حنبل، عن ابن مسعود وأصحابه،
(١) وقع في النسخة "ابن عمر"، وهو تصحيف، فقد تقدّم قول أحمد: نذهب إلى حديث عمر، فتنبّه