للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد ذكر الفقهاء من الحنابلة والشافعيّة أن هذا كلّه خلاف الأولى من غير كراهة فيه، وحديث معاوية -رضي اللَّه عنه- يدلّ على الكراهة. انتهى كلام الحافظ ابن رجب ببعض تصرّف (١).

قال الجامع عفا اللَّه عنه: كيف يدّعون عدمَ الكراهة، وقد صحّ حديث معاوية -رضي اللَّه عنه- المتقدّم، ودلالته على الكراهة واضحة؟، كما أشار إليه ابن رجب -رَحِمَهُ اللَّهُ-، فليُتَنَبّه، واللَّه تعالى أعلم.

وكتب الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ- على قول الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويذكر عن أبي هريرة رفعه: "لا يتطوّع الإمام في مكانه"، ولم يصحّ. انتهى.

ما نصه: قوله: "ولم يصحّ" هو كلام البخاريّ، وذلك لضعف إسناده، واضطرابه، تفرّد به ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف، واختلف عليه فيه، وقد ذكر البخاري الاختلاف فيه في "تاريخه"، وقال: لم يثبت هذا الحديث.

وفي الباب عن المغيرة بن شعبة مرفوعًا أيضًا بلفظ: "لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلى فيه حتى يتحوّل". رواه أبو داود، وإسناده منقطع، وروى ابن أبي شيبة بإسناد حسن عن علي -رضي اللَّه عنه- قال: "من السنّة أن لا يتطوّع الإمام حتى يتحوّل من مكانه".

وحَكَى ابن قدامة في "المغني" عن أحمد أنه كره ذلك، وقال: لا أعرفه عن غير عليّ، فكأنه لم يثبت عنده حديث أبي هريرة، ولا المغيرة، وكأن المعنى في كراهة ذلك خشية التباس النافلة بالفريضة.

وفي مسلم: "عن السائب بن يزيد، أنه صلى مع معاوية الجمعة، فتنفّل بعدها، فقال له معاوية: إذا صليت الجمعة فلا تَصِلها بصلاة حتى تتكلّم، أو تخرج، فإن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أمرنا بذلك".

ففي هذا إرشاد إلى طريق الأمن من الالتباس، وعليه تحمل الأحاديث المذكورة.

ويؤخذ من مجموع الأدلّة أن للإمام أحوالًا؛ لأن الصلاة إما أن تكون مما يُتطوّع بعدها، أو لا يتطوّع، الأول اختُلف فيه هل يتشاغل قبل التطوّع


(١) "شرح صحيح البخاري" لابن رجب ٧/ ٤٣٠ - ٤٣٤.