للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فَنَزَلْتُ) أي عن الأتان (فَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ) أي ترعى، يقال: رَتَعَت الماشية رَتْعًا، من باب نَفَعَ، ورُتُوعًا: إذا رَعَت كيف شاءت، والجملة في محلّ نصب على الحال المقدَّر؛ لأن الرتع لا يحصل حالة الإرسال، أي مقَدَّرًا رُتُوعها.

وقال في "الفتح": قوله: "تَرْتَعُ" -بمثناتين مفتوحتين، وضم العين- أي تأكل ما تشاء، وقيل: تُسْرِع في المشي، وجاء أيضًا بكسر العين، بوزن "يَفتَعِلُ"، من الرَّعْي، وأصله تَرْتَعِي، لكن حذفت الياء تخفيفًا، والأول أصوب، ويدل عليه رواية البخاريّ في "الحج": "نَزَلتُ عنها، فَرَتَعَتْ". انتهى (١).

(وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ) وفي رواية عند البخاريّ: "فدَخَلتُ في الصفّ" بالفاء، (فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ) أي لا النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا الصحابة الذين مرّ بين أيديهم.

قال العلامة ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: استَدَلَّ ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، ولم يَسْتَدِلّ بترك إعادتهم للصلاة؛ لأن ترك الإنكار أكثر فائدةً.

قال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وتوجيهه أن ترك الإعادة يدلّ على صحتها فقط، لا على جواز المرور، وترك الإنكار يدلّ على جواز المرور، وصحةِ الصلاة معًا، ويُستفاد منه أن ترك الإنكار حجةٌ على الجواز بشرطه، وهو انتفاء الموانع من الإنكار، وثبوت العلم بالاطلاع على الفعل.

ولا يقال: لا يلزم مما ذُكِر اطّلاع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك؛ لاحتمال أن يكون الصفّ حائلًا دون رؤية النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- له؛ لأنا نقول: قد تقدم أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه، وتقدم أيضًا أن في رواية البخاريّ في "الحج" أنه مَرّ بين يدي بعض الصفّ الأول، فلم يكن هناك حائلٌ دون الرؤية، ولو لم يَرِد شيء من ذلك، لكان توفُّر دواعيهم على سؤاله -صلى اللَّه عليه وسلم- عما يَحْدُث لهم كافيًا في الدلالة على اطّلاعه على ذلك. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "الفتح" ١/ ٢٠٦.