للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاحْتِلَامَ) أي قاربت البلوغ الشرعيّ، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: نَهَزَ نَهْزًا، من باب نَفَعَ: نَهَضَ ليتناول الشيءَ، وإذا قَرُبَ المولود من الْفِطَام قيل: نَهَزَ لِلْفَطَام يَنْهَزُ له، فالابن ناهزٌ، والبنت ناهزةٌ، ويقال أيضًا: ناهز للفطام مناهَزَةً، قال الأزهريّ: وأصل النَّهْز الدفع، وانتهز الْفُرْصة: انتهض إليها مبادرًا. انتهى (١).

ومحلّ الجملة "وأنا يومئذ. . . إلخ" نصبٌ على الحال من الفاعل بعد الحال، وكذا قوله: (وَرَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي بِالنَّاسِ) فهي أحوال متدخلة، أو مترادفة، على خلاف في هذا، كما تقدّم غير مرّة.

[تنبيه]: اختَلَف العلماء في سِنّ ابن عباس عند وفاة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقيل: عشر سنين، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، وهو رواية سعيد بن جبير عنه، قال أحمد بن حنبل -رضي اللَّه عنهما-: وهو الصواب، قاله النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

وقال في "الفتح" في "كتاب فضائل القرآن" -عند شرح قول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "تُوُفّي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم (٣) "-: وقد استَشْكَل عياضٌ قول ابن عباس: توفي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وأنا ابن عشر سنين بما تقدم في "الصلاة" من وجه آخر عن ابن عباس أنه كان في حجة الوداع ناهز الاحتلام، وسيأتي في "الاستئذان" من وجه آخر أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- مات، وأنا ختين، وكانوا لا يختنون الرجل حتى يُدرِك، وعنه أيضًا أنه كان عند موت النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ابن خمس عشرة سنة، وسَبَق إلى استشكال ذلك الإسماعيليّ، فقال: حديث الزهريّ، عن عبيد اللَّه، عن ابن عباس -يعني حديث الباب- يخالف هذا، وبالغ الداوديّ، فقال: حديث أبي بشر -يعني الذي فيه: وأنا ابن عشر سنين- وَهَمٌ.

وأجاب عياض بأنه يَحْتَمِل أن يكون قوله: "وأنا ابن عشر سنين" راجع إلى حفظ القرآن، لا إلى وفاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويكون تقدير الكلام: تُوُفي النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقد جمعت الْمُحْكَم، وأنا ابن عشر سنين، ففيه تقديم وتأخير.


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٢٨.
(٢) "شرح النوويّ" ٤/ ٢١.
(٣) أي الذي ليس فيه منسوخ.