على قوله:"اللهم اغفر لي" في الركوع الواحد، فهو قليل بالنسبة إلى السجود المأمور فيه بالاجتهاد في الدعاء الْمُشْعِر بتكثير الدعاء، ولم يُرِد أنه كان يقول ذلك في بعض الصلوات دون بعض، حتى يَعْتَرِض عليه بقول عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان يكثر. . . إلخ" انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: خلاصة القول أن الأمر بتعظيم الربّ عزَّ وجلَّ في الركوع لا ينافي جواز الدعاء فيه بدليل هذا الحديث، وإنما غاية ما يدلّ عليه قوله:"فعظّموا فيه الربّ" أن يكون معظم الذكر المشروع فيه هو التعظيمَ بالتسبيح والتحميد، والتقديس، كما أن الغالب في السجود الاجتهاد في الدعاء، ولا ينافي التسبيح فيه أيضًا، بدليل قوله -صلى اللَّه عليه وسلم- لَمّا نزل {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١)} [الأعلى: ١]: "اجعلوها في سجودكم"، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.
٣ - (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- من الإكثار من الاستغفار، مع أنه غُفر له ما تقدّم من ذنبه، وما تأخّر، كما قال تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح: ٢] الآية، وسبب ذلك أن يكون عبدًا شكورًا، فقد أخرج الشيخان من حديث المغيرة بن شعبة -رضي اللَّه عنه- قال: قام النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حتى تَوَرَّمت قدماه، فقيل له: غفر اللَّه لك ما تقدم من ذنبك، وما تأخر؟ قال:"أفلا أكون عبدًا شكورًا".
٤ - (ومنها): شدّة حرصه على مبادرته أمر اللَّه عزَّ وجلَّ له في القرآن، حيث قال له:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} الآية [النصر: ٣]، وهو معنى قوله:"يتأول القرآن"، أي يُطبّق على نفسه ما أُمر به في القرآن، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللَّهُ- المذكور أولَ الكتاب قال: