٢ - (ومنها): بيان جواز الدعاء في الركوع، ونُقل عن مالك: كراهته، وقد ترجم الإمام البخاريّ في "صحيحه": "باب الدعاء في الركوع"، ثم أورد حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المذكور في الباب، فقيل: الحكمة في تخصيص الركوع بالدعاء دون التسبيح، مع أن الحديث واحد، أنه قَصَدَ الإشارة إلى الردّ على من كَرِهَ الدعاء في الركوع، كمالك، وأما التسبيح فلا خلاف فيه، فاهتَمّ هنا بذكر الدعاء لذلك، وحجة المخالف حديثُ ابن عباس -رضي اللَّه عنهما- الذي تقدّم في الباب الماضي، وفيه: "فأما الركوع فعَظِّموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقَمِنٌ أن يستجاب لكم"، لكنه لا مفهوم له، فلا يمتنع الدعاء في الركوع، كما لا يمتنع التعظيم في السجود، وظاهر حديث عائشة -رضي اللَّه عنها- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يقول هذا الذكر كله في الركوع، وكذا في السجود، قاله في "الفتح" (١).
وقال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: يؤخذ من هذا الحديث إباحة الدعاء في الركوع، وإباحة التسبيح في السجود، ولا يعارضه قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أما الركوع فعَظِّموا فيه الربّ، وأما السجود فاجتهدوا فيه من الدعاء".
قال: ويمكن أن يُحْمَل حديث الباب على الجواز، وذلك على الأولوية.
ويَحْتَمِل أن يكون أَمَر في السجود بتكثير الدعاء؛ لإشارة قوله: "فاجتهدوا"، والذي وقع في الركوع من قوله: "اللهم اغفر لي" ليس كثيرًا، فلا يعارض ما أَمَر به في السجود. انتهى.
واعترضه الفاكهانيّ بأن قول عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كان يكثر أن يقول" صريح في كون ذلك وقع منه كثيرًا، فلا يعارض ما أَمَر به في السجود.
قال الحافظ: هكذا نقله عنه شيخنا ابن الْمُلَقِّن في "شرح العمدة"، وقال: فليُتَأَمَّل، وهو عجيب، فإن ابن دقيق العيد أراد بنفي الكثرة عدم الزيادة