للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

معنى الزَمْ مكانك، وفي رواية موسى بن أبي عائشة المتقدّمة: "فأومأ إليه النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أن لا يتأخر" (١).

(فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- حَتَّى جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ) وفي رواية موسى بن أبي عائشة المتقدّمة أن ذلك كان بأمره -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولفظه: "فقال لهما: أجلساني إلى جنبه، فأجلساه إلى جنب أبي بكر".

وقوله: (عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ) هذا هو مقام الإمام، وسيأتي القول فيه، وأغرب القرطبيّ حيث قال -لَمّا حَكَى الخلاف، هل كان أبو بكر إمامًا، أو مأمومًا؟ -: لم يقع في "الصحيح" بيان جلوسه -صلى اللَّه عليه وسلم-، هل كان عن يمين أبي بكر، أو عن يساره؟. انتهى (٢).

والغريب أن هذه الرواية كما ترى في "صحيح مسلم"، بل هي متّفقٌ عليها، والقرطبيّ نفسه ساقها في "مختصره"، فالعجب منه كيف يَغْفُل عن ذلك في حال شرحه له، فسبحان مَن {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ}.

(قَالَتْ) عائشة: (فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- يُصَلِّي بِالنَّاسِ) حال كونه (جَالِسًا، وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا) هذا من عطف المعمولين على معمولي عاملين مختلفين، وفيه الخلاف المقرّر في محلّه، فقوله: "أبو بكر" عطف على "رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، وقوله: "قائمًا" عطف على "جالسًا"، وهو حال من فاعل "يُصلّي".

وقوله: (يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-) حال من أبي بكر (وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ) -رضي اللَّه عنه-.

وهذا صريح في كون النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الإمام، وأبو بكر مأموم به -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيكون معنى قوله: "ويقتدي الناس بصلاة أبي بكر" اقتداؤهم به في الانتقالات، حيث كان يُسمعهم تكبيرات النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.

واستدلّ به الجمهور على نسخ حديث: "وإذا صلّى جالسًا فصلّوا جُلُوسًا"، والحقّ أنه لا نسخ، كما سبق تحقيقه، قريبًا.

واستدلّ به أيضًا ابن المسيّب: على أن مقام المأموم يكون عن يسار الإمام؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- جلس عن يسار أبي بكر -رضي اللَّه عنه-، وهذا إنما يتمشّى على قول من


(١) راجع: "عمدة القاري" ٥/ ٢٧٨.
(٢) "المفهم" ٢/ ٥١.