أنس، ومن حدّث معه في صلاة النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه صلّى بهم جالسًا، ومن خلفه جلوسٌ منسوخٌ بحديث عائشة أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صلّى بهم في مرضه الذي مات فيه جالسًا، وصلَّوا خلفه قيامًا.
وقال أصحاب الرأي في مريض صلّى قاعدًا يسجد ويركع، فائتمّ به قوم فصلَّوا خلفه قيامًا: يُجزيهم، وإن كان الإمام قاعدًا يومئ إيماءً، أو مضطجعًا على فراشه يومئ إيماءً، والقوم يصلّون قيامًا قال: لا يجزيه، ولا يجزئ القوم في الوجهين جميعًا.
وقال أبو ثور كما قال الشافعيّ.
وفي المسألة قول ثالث، قاله مالك، قال: لا ينبغي لأحد أن يؤمّ الناس قاعدًا، وحُكي عن المغيرة أنه قال: ما يعجبني أن يصلّي الإمام بالقوم جلوسًا، وقد روينا عن جابر الجعفيّ، عن الشعبيّ، أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"لا يؤمّنّ أحد بعدي جالسًا".
قال ابن المنذر: وهذا خبر واهٍ، تُحيط به العلل، جابر متروك الحديث، والحديث مرسل، وهو مخالف للأخبار الثابتة عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كثيرًا. انتهى كلام ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ- ملخّصًا (١).
وقال الحافظ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: واستُدلّ به -أي بحديث عائشة -رضي اللَّه عنها- المذكور الآتي- على صحّة إمامة القاعد المعذور بمثله، وبالقائم أيضًا، وخالف في ذلك مالك في المشهور عنه، ومحمد بن الحسن، فيما حكاه الطحاويّ، ونَقَل عنه أن ذلك خاص بالنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، واحتَجّ بحديث جابر، عن الشعبيّ مرفوعًا:"لا يَؤُمَّنّ أحدٌ بعدي جالسًا".
واعترضه الشافعيّ، فقال: قد عَلِم مَن احتجّ بهذا أن لا حجة فيه؛ لأنه مرسلٌ، ومن رواية رجل يَرْغَب أهلُ العلم عن الرواية عنه، يعني جابرًا الجعفيّ.
وقال ابن بزيزة: لو صَحّ لم يكن فيه حجة؛ لأنه يَحْتَمل أن يكون المراد منع الصلاة بالجالس؛ أي يُعْرَب قوله:"جالسًا" مفعولًا لا حالًا.