وجمع آخرون بينهما باحتمال تعدد الواقعة، قال الحافظ: وفيه بُعْدٌ؛ لأن حديث أنس إن كانت القصة فيه سابقةً لزم منه ما ذكرنا من النسخ بالاجتهاد، وإن كانت متأخِّرةً لم يحتج إلى إعادة قول:"إنما جُعِل الإمام ليؤتم به. . . إلخ"؛ لأنهم قد امتَثَلُوا أمره السابق، وصَلَّوا قعودًا؛ لكونه قاعدًا. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: القول بتعدّد الواقعة لا بُعْد فيه؛ لاحتمال أن يكون الذين صلَّوا معه -صلى اللَّه عليه وسلم- في واقعة غير الذين صلَّوا معه في أخرى، فتأمله، واللَّه تعالى أعلم.
(فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ) وفي نسخة: "صلاته" (قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ) ببناء الفعل للمفعول، وهو بمعنى صُيِّرَ يتعدّى إلى مفعولين، فـ "الإمامُ" بالرفع نائب فاعله، وهو المفعول الأول، وحُذف المفعول الثاني، وهو "إمامًا"، أي إنما جُعل الإمام إمامًا (لِيُؤْتَمَّ بِهِ) أي ليُقتدَى به على الوجه المشروع، فقوله: "فإذا ركع فاركعوا إلخ" بيان للوجه المشروع الذي يُطلب الاقتداء به فيه.
قال العلّامة الشوكانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لفظ "إنما" من صِيَغِ الحصر عند جماعة من أئمة الأصول والبيان، ومعنى الحصر فيها إثباتُ الحكم في المذكور، ونفيُهُ عما عداه، واختار الآمديّ أنها لا تفيد الحصر، وإنما تفيد تأكيد الإثبات فقط، ونقله أبو حيان عن البصريين، وفي كلام الشيخ تقيّ الدين ابن دقيق العيد: ما يَقتضي نقلَ الاتفاق على إفادتها للحصر.
والمراد بالحصر هنا حصر الفائدة في الاقتداء بالإمام، والاتّباع له، ومن شأن التابع أن لا يتقدم على المتبوع، ومقتضى ذلك أن لا يخالفه في شيء من الأحوال التي فَصَّلها الحديثُ، ولا في غيرها قياسًا عليها، ولكن ذلك مخصوص بالأفعال الظاهرة، لا الباطنة، وهي ما لا يَطَّلِع عليه المأموم، كالنية فلا يضرّ الاختلاف فيها، فلا يصحّ الاستدلال به على مَن جَوَّز ائتمام من يصلي الظهر بمن يصلي العصر، ومن يصلي الأداء بمن يصلي القضاء، ومن يصلي الفرض بمن يصلي النفل، وعكس ذلك. وعامّة الفقهاء على ارتباط صلاة المأموم بصلاة الإمام، وترك مخالفته له