للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قيل: قد اختُلِف فيه عن الزهريّ، والكراهيةُ ثبتت عندنا عنه، وأقلُّ ذلك أن تكون الروايتان متكافئتين، فلا يجوز أن يَثْبُت عليه واحدة منهما، وإذا لم يثبت عليه واحدة منهما، سقط قولُ الزهريّ، ويثبت تحريم الانتفاع بجلد الميتة قبل الدباغ باتفاق أهل العلم؛ إذ لا نَعْلَم أحدًا أرخص في ذلك إلا ما اختُلِفَ فيه عن الزهري.

قال: ولو لم يُرْوَ عن الزهريّ هذا الحديث، لكان في رواية عمرو بن دينار، وابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس، عن ميمونة، وحديثه عن عكرمة، عن ابن عباس، كفايةٌ ومَقْنَعٌ.

فإن قيل: فإن ثبت هذا، فحديث ابنُ عكيم ناسخ له.

قيل: إن ابن عكيم لم يَسْمَع ذلك من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وليست له صحبة، إنما رَوَى ذلك عن مشيخة من جهينة لم يسمهم، ولم يُدْرَ مَن هم؟ ولا يجوز دفع خبر، وقد صَحّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بخبر مشيخة (١) لا يُعرَفُون.

قال: ومع هذا فلو كان خبر ابن عكيم ثابتًا، لاحْتَمَلَ أن لا يكون مخالفًا للأخبار التي ذكرناها؛ لأن تلك الأخبار فيها إذن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالانتفاع بجلد الشاة الميتة بعد الدباغ، وإذا أمكن لنا أن تكون الأخبار مختلفةً، وأمكن استعمالها، فاستعمالها أولى بنا من أن نَجعلها متضادّة، فيُستَعمَل خبرُ ابن عُكيم في النهي عن استعمال جلود الميتة قبل الدباغ، ويُستَعمَل خبر ابن عباس وغيره في الانتفاع بجلود الميتة بعد الدباغ.

وقد يجوز أن يكون النبيّ - صلى الله عليه وسلم - جَعَل دباغ الميتة طهورها قبل موته بأقل من شهر، ولا يكون خبر ابن عكيم لو ثبت ناسخًا له، على أن خبر ابن عُكيم غير ثابت؛ لأنه لم يُخبِر مَن حامل الكتاب إليهم؟ ولا مَن قرأ الكتاب عليهم؟، والحديث من مشيخة لا يُعْرَفون. انتهى المقصود من كلام ابن المنذر رحمه الله.

وقال في "الفتح" ما حاصله: استَدّلّ الزهريّ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "هلا استمتعتم بإهابها" على جواز الانتفاع بجلود الميتة مطلقًا، سواء دُبغت أم لا، لكن صحّ التقييد من طرق أخرى بالدباغ، وهي حجة الجمهور، واستثنى الشافعي من


(١) كان في النسخة "غير مشيخة"، والظاهر أنه تصحيف، فتأمله.