احتجّ القائلون بعدم وجوب الغسل إلا بالإنزال بما رواه الشيخان عن زيد بن خالد الجهنيّ، أنه سأل عثمان بن عفان، فقال: أرأيت إذا جامع الرجل امرأته، فلم يُمْنِ؟ قال عثمان: يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، قال عثمان: سمعته من رسول الله، فسألت عن ذلك عليّ بن أبي طالب، والزبير بن العوّام، وطلحة بن عبيد الله، وأُبَيّ بن كعب - رضي الله عنهم -، فأمروه بذلك.
وما أخرجاه عن أبي سلمة، أن عروة بن الزبير، أخبره أن أبا أيوب أخبره، أنه سمع ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وما أخرجاه عن أبي أيوب الأنصاريّ، قال: أخبرني أُبَيّ بن كعب أنه قال: يا رسول الله، إذا جامع الرجل المرأة، فلم يُنزِل؟ قال:"يغسل ما مس المرأة منه، ثم يتوضأ، ويصلي".
وما أخرجاه من حديث أبي سعيد الخدريّ، في قصّة عتبان بن مالك - رضي الله عنه -.
وما أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:"إنما الماء من الماء".
وغير ذلك من الأحاديث بهذا المعنى.
واحتجّ الجمهور القائلون بالوجوب وإن لم يُنزل بحديث أبي هريرة وعائشة - رضي الله عنها - المذكور في الباب:"إذا جلس بين شعبها الأربع، ثم جهدها، فقد وجب الغسل، وإن لم يُنزل".
قالوا: حديث: "الماء من الماء" منسوخ بهذه الأحاديث.
[فإن قلت]: ليس فيها دليل على النسخ؛ لعدم التعرُّض إلى شيء من التاريخ.
[قلت]: قد جاء ما يدلّ على النسخ صريحًا، وهو ما رواه أبو داود في "سننه" بسند صحيح،. عن أبي حازم، عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: حدثني أُبيّ بن كعب: أن الفُتيا التي كانوا يُفتون: "إن الماء من الماء" كانت رخصةً رَخصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بدء الإسلام، ثم أَمَرنا بالاغتسال بعدُ. وأخرجه ابن ماجه، والترمذيّ، وقال: حديث حسن صحيح، وقال ابن عبد البر في "الاستذكار": هو حديث صحيح ثابت بنقل العدول له.