للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وصنفٌ اعترف بوجوبها، ولكن امتنع من دفعها إلى أبي بكر - رضي الله عنه -، فقال: إنما قَبْضُها للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - خاصّةً، لا لغيره، وفرّقوا صدقاتهم بأيديهم، فرأى أبو بكر والصحابة - رضي الله عنه - قتال جميعهم: الصنفان الأولان لكفرهم، والثالث لامتناعهم.

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: وهذا الصنف الثالث هم الذين أشكل أمرهم على عمر - رضي الله عنه -، فباحَثَ أبا بكر - رضي الله عنه - في ذلك حتى ظهر له الحقّ الذي كان ظاهرًا لأبي بكر - رضي الله عنه - فوافقه على ذلك، ولذلك قال: "فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال، فعرفتُ أنه الحقّ": أي ظهر له من الدليل، وحَصَل له من ثَلَجِ الصدر (١)، وانشراحه لذلك مثلُ الذي حصل لأبي بكر - رضي الله عنه -، لا أنه قلّده، واتّبعه بعد ظهور الدليل؛ لأن التقليد لا ينشرح به الصدر، ولا يُعرف به الحقّ، ولأنه لا يجوز لمجتهد أن يقلّد مجتهدًا عند تمكّنه من الاجتهاد، كما بُيّن في محلّه من أصول الفقه.

ثم إن أبا بكر - رضي الله عنه - قاتل جميع المرتدّين الثلاثة الأصناف، وسَبَى ذراريّهم، قال القاضي: وَحَكَمَ فيهم بحكم الناقضين للعهد، فلما تُوفّي أبو بكر - رضي الله عنه -، ووُلي عمر - رضي الله عنه - ردّ عليهم سبيهم، وحكم عليهم بحكم المرتدّين، وكان أبو بكر - رضي الله عنه - يرى سَبْيَ أولاد المرتدّين، وبذلك قال أصبغ بن الفرج من المالكيّة، وكان عمر - رضي الله عنه - يرى أنهم لا يُسبَوْن، ولذلك رَدَّ سَبيهم، وبهذا قال جمهور العلماء، وأئمة الفتوى (٢).

وقد ذكر الإمام الخطابيّ رحمه الله تعالى في كتابه "معالم السنن": في شرح هذا الكلام (٣) كلامًا حسنًا، لا بُدّ من ذكره؛ لما فيه من الفوائد.

قال رحمه الله تعالى: مما يجب تقديمه في هذا أن يُعْلَمَ أن أهل الرّدّة كانوا صنفين: صنف ارتدوا عن الدين، ونابذوا الملة، وعادوا إلى الكفر، وهم الذين


(١) قال في "المصباح" ١/ ٨٣: ثَلَجَتِ النفوس ثُلُوجًا وثَلَجًا، من بابي قَعَدَ وتَعِبَ: اطمأنت انتهى.
(٢) "إكمال المعلم" ١/ ١٩٥ - ٢٠٠ و"المفهم" ١/ ١٨٥ - ١٨٦.
(٣) يعني قوله: "لَمّا تُوفّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، واستُخلف أبو بكر - رضي الله عنه - بعده، وكَفَرَ من كفر من العرب".