الحديث، حيث قال:"فتتبّعي بها آثار الدم"، بل أصرح منه ويصرح به رواية الإسماعيليّ:"تتبعي بها مواضع الدم"، فقصره على الفرج فقط خلاف الظاهر، فما قاله هو الحقّ، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم.
قال: واختَلَف العلماء في الحكمة في استعمال المسك، فالصحيح المختار الذي قاله الجماهير من أصحابنا وغيرهم، أن المقصود باستعمال المسك تطييب المحل، ودفع الرائحة الكريهة، وحَكَى أقضى القضاة الماورديّ من أصحابنا وجهين لأصحابنا: أحدهما: هذا، والثاني: أن المراد كونه أسرع إلى عُلوق الولد، قال: فإن قلنا بالأول، ففَقَدت المسك، استَعمَلت ما يَخلُفه في طيب الرائحة، وإن قلنا بالثاني استَعمَلت ما قام مقامه في ذلك من القُسْط والأظفار، وشبههما.
قال: واختَلُفوا في وقت استعماله فمن قال بالأول قال: تستعمله بعد الغسل، ومن قال بالثاني قال: قبله. انتهى كلام الماورديّ.
قال النوويّ: وهذا الذي حكاه من استعماله قبل الغسل ليس بشيء، ويكفي في إبطاله رواية مسلم في الكتاب في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فتَطَهّر، فتحسن الطُّهُور، ثم تَصُبّ على رأسها، فتدلكه، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فِرصة ممسكةً، فتطهر بها". وهذا نصّ في استعمال الفِرصة بعد الغسل، وأما قول من قال: إن المراد الإسراع في العلوق فضعيف، أو باطل، فإنه على مقتضى قوله ينبغي أن يُخَصّ به ذات الزوج الحاضر الذي يتوقع جماعه في الحال، وهذا شيء لم يَصِر إليه أحد نعلمه، وإطلاق الأحاديث يَرُدّ على من التزمه، بل الصواب أن المراد تطييب المحلّ، وإزالة الرائحة الكريهة، وأن ذلك مستحبّ لكل مغتسلة من الحيض أو النفاس، سواء ذات الزوج وغيرها، وتستعمله بعد الغسل، فإن لم تَجِد مسكًا، فتستعمل أيّ طيب وَجَدت، فإن لم تجد طيبًا استُحِبّ لها استعمال طين أو نحوه، مما يزيل الكراهة، نَصّ عليه أصحابنا، فإن لم تجد شيئًا من هذا، فالماء كافٍ لها، لكن إن تركت التطيب مع التمكن منه كُرِه لها، وإن لم تتمكن فلا كراهة في حقها. انتهى كلام النوويّ رحمه الله، وهو بحثٌ مفيدٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.