للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

انتهى كلام القاضي رحمه الله تعالى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أشار القاضي عياض بقوله: "وبهما قطع الكلام أبو عمران إلخ" إلى قصّة ساقها الحافظ الذهبيّ في "سير أعلام النبلاء" في ترجمة أبي عمران الفاسيّ المذكور، فقال:

وحكى القاضي عياض، قال: حَدَثَ في الْقَيْرَوان مسألة في الكفار، هل يَعرِفون الله تعالى، أم لا؟ فوقع فيها اختلاف العلماء، ووقعت في ألسنة العامّة، وكَثُرَ المراء، واقتتلوا في الأسواق، إلى أن ذَهَبُوا إلى أبي عمران الفاسيّ، فقال: إن أنصتم عَلَّمتكم، قالوا: نعم، قال: لا يُكَلِّمني إلا رجل، ويسمع الباقون، فَنَصَبُوا واحدًا، فقال له: أرأيتَ لو لقيت رجلًا، فقلت له: أتَعْرِف أبا عمران الفاسيّ؟ قال: نعم، فقلت له: صفه لي، قال: هو بَقّالٌ في سوق كذا، ويسكن سَبْتَةَ، أكان يعرفني؟ فقال: لا، فقال: لو لقيتَ آخر، فسألته كما سألت الأولَ، فقال: أعرفه، يُدَرِّسُ العلم، ويُفتي، ويسكن بغرب الشماط، أكان يعرفني؟ قال: نعم، قال: فكذلك الكافر قال: لربه صاحبةٌ، وولدٌ، وأنه جسم، فلم يعرف الله، ولا وصفه بصفته، بخلاف المؤمن، فقال: شَفَيتنا، ودَعَوا له، ولم يخوضوا بعدُ في المسألة.

قال الذهبيّ معلّقًا على الكلام: المشركون والكتابيون وغيرهم عَرَفُوا الله تعالى، بمعنى أنهم لم يَجْحَدوه، وعرفوا أنه خالقهم، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: ٨٧] وقال: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [إبراهيم: ١٠]، فهؤلاء لم يُنكروا البارئ، ولا جحدوا الصانع، بل عرفوه، وإنما جَهِلُوا نعوته المقدسة، وقالوا عليه ما لا يعلمون، وأما المؤمن فعرف ربه بصفات الكمال، ونَفَى عنه سمات النقص في الجملة، وآمن بربه، وكَفَّ عما لا يَعْلَم، فبهذا يتبين لك أن الكافر عَرَفَ الله من وجه، وجهله من وجوه، والنبيون عرفوا الله تعالى، وبعضُهُم أكمل معرفةً لله،


= سنة (٤٣٠ هـ). انظر: "سير أعلام النبلاء" ١٧/ ٥٤٥ - ٥٤٨، و"بغية الملتمس" ص ٤٤٢، و"فهرس الفهارس" ١/ ١٥٩.
(١) "إكمال المعلم" ١/ ١٨١ - ١٨٣، ونقله النوويّ في "شرح" ١/ ١٩٩ - ٢٠٠.