للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال في "الفتح": قوله: "لا يستتر" كذا في أكثر الروايات بمثناتين من فوقُ، الأولى مفتوحة، والثانية مكسورة، وفي رواية ابن عساكر: "يستبرئ" بموحدة ساكنة، من الاستبراء، ولمسلم، وأبي داود في حديث الأعمش: "لا يستنزه" بنون ساكنة، بعدها زايٌ، ثم هاء، فعلى رواية الأكثر معنى الاستتار: أنه لا يجعل بينه وبين بوله سُتْرَةً، يعني أنه لا يتحفظ منه، فتوافق رواية "لا يستنزه"؛ لأنها من التنزه، وهو الإبعاد، وقد وقع عند أبي نعيم في "المستخرج" من طريق وكيع، عن الأعمش: "كان لا يَتَوَقَّى"، وهي مفسرة للمراد.

وأجراه بعضهم على ظاهره، فقال: معناه: لا يستر عورته، وضُعِّفَ بأن التعذيب لو وقع على كشف العورة لاستقلّ الكشف بالسببية، واطُّرِح اعتبار البول، فيترتب العذاب على الكشف، سواء وُجِد البول أم لا، ولا يَخفَى ما فيه.

وأما رواية الاستبراء، فهي أبلغ في التوقي.

وقال ابن دقيق العيد: لو حُمِل الاستتار على حقيقته، للزم أن مُجَرَّد كشف العورة كان سبب العذاب المذكور، وسياق الحديث يدلّ على أن للبول بالنسبة إلى عذاب القبر خصوصية، يُشير إلى ما صححه ابن خزيمة، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "أكثرُ عذاب القبر من البول"، أي بسبب ترك التحرز منه، قال: ويؤيده أن لفظ "من" في هذا الحديث لَمّا أضيف إلى البول، اقتَضَى نسبة الاستتار الذي عدمُهُ سبب العذاب إلى البول، بمعنى أن ابتداء سبب العذاب من البول، فلو حُمِل على مجرد كشف العورة زال هذا المعنى، فتعيّن الحمل على المجاز؛ لتجتمع ألفاظ الحديث على معنى واحد؛ لأن مخرجه واحد، ويؤيده أن في حديث أبي بكرة - رضي الله عنه - عند أحمد، وابن ماجه: "أما أحدهما، فيعذَّب في البول"، ومثله للطبرانيّ، عن أنس - رضي الله عنه - (١).

(قَالَ) ابن عبّاس - رضي الله عنهما - (فَدَعَا)، أي طلب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، يقال: دعا الناس: إذا طلبهم، أفاده الفيّوميّ (٢).

ولعلّ الباء في المفعول زائدة، أو على تضمين "دعا" معنى فعلٍ يتعدّى بالباء، أي أمر بعسيب، ونحوه.


(١) راجع: "الفتح" ١/ ٣٨٠ - ٣٨١.
(٢) "المصباح المنير" ١/ ١٩٥.