للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لحيته، فما فَضَل (١) أخذه. انتهى.

قال في "الفتح": قوله: "وكان ابن عمر .. إلخ" هو موصول بالسند المذكور إلى نافع، وقد أخرجه مالك في "الموطأ"، عن نافع بلفظ: "كان ابن عمر إذا حَلَق رأسه في حج أو عمرة أخذ من لحيته وشاربه"، قال: وفي حديث الباب مقدار المأخوذ.

وقال الكرمانيّ: لعل ابن عمر أراد الجمع بين الحلق والتقصير في النسك، فحَلَق رأسه كلّه، وقصر من لحيته؛ ليدخل في عموم قوله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} الآية [الفتح: ٢٧]، وخَصَّ ذلك من عموم قوله: "وفِّرُوا اللحَى"، فحمله على حالة النسك.

قال الحافظ: الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخُصّ هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالإعفاء على غير الحالة التي تَتَشَوَّه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية، أو عرضه، فقد قال الطبريّ: ذهب قوم إلى ظاهر الحديث، فكرهوا تناول شيء من اللحية، من طولها ومن عرضها، وقال قوم: إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر أنه فَعَل ذلك، وإلى عمر أنه فَعَل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة أنه فعله.

وأخرج أبو داود من حديث جابر - رضي الله عنه - بسند حسن قال: "كنا نُعَفِّي السِّبَال، إلا في حجّ أو عمرة"، وقوله: "نُعَفّي" - بضم أوله، وتشديد الفاء -: أي نتركه وافرًا، وهذا يؤيد ما نُقِل عن ابن عمر، فإن السِّبَال - بكسر المهملة، وتخفيف الموحدة - جمع سَبَلَة - بفتحتين - وهي ما طال من شعر اللحية، فأشار جابر إلى أنهم يُقَصِّرون منها في النسك.

ثم حكى الطبري اختلافًا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حدّ أم لا؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكفّ، وعن الحسن البصريّ أنه يؤخذ من طولها وعرضها، ما لم يَفْحُش، وعن عطاء نحوه، قال: وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصّها وتخفيفها.


(١) قوله: "فما فَضَلَ" بفتح الفاء والضاد المعجمة، ويجوز كسر الضاد، كعِلم، والأشهر الفتح، ذكره في "الفتح" ١٠/ ٣٦٢.