للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم السواك:

ذهب أكثر أهل العلم إلى عدم وجوبه، بل ادّعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حَكَى الشيخ أبو حامد، وتبعه الماورديّ، عن إسحاق بن راهويه، أنه قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامدًا بَطَلَت صلاته، وعن داود أنه قال: وهو واجب، لكن ليس شرطًا.

واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجهْ من حديث أبي أمامة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "تَسَوَّكُوا"، ولأحمد نحوه من حديث العباس، وفي "الموطأ" في أثناء حديث: "عليكم بالسواك"، ولا يثبت شيء منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفيّ في مفهوم حديث الباب الأمر به مُقَيَّدًا بكل صلاة، لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق، ولا من ثبوت المطلق التكرار، قاله في "الفتح".

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: السواك سنةٌ، ليس بواجب في حال من الأحوال، لا في الصلاة، ولا في غيرها، بإجماعِ مَن يُعْتَدُّ به في الإجماع، وقد حَكَى الشيخ أبو حامد الإسفرايينيّ إمام أصحابنا العراقيين عن داود الظاهري أنه أوجبه للصلاة، وحكاه الماوردي عن داود، وقال: هو عنده واجب، لو تركه لم تبطل صلاته، وحَكَى عن إسحاق بن راهويه أنه قال: هو واجب، فإن تركه عمدًا بطلت صلاته، وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود، وقالوا: مذهبه أنه سنة كالجماعة، ولو صح إيجابه عن داود لم تضر مخالفته في انعقاد الإجماع (١) على المختار الذي عليه المحققون


(١) قوله عن داود: لم تضرّ مخالفته في انعقاد الإجماع". إلخ كلام لا يليق مثله بمثل النوويّ، فإن الإمام داود بن عليّ الظاهريّ رحمهُ اللهُ إمام جبل من جبال العلم، فكيف لا تُعدّ مخالفته ضارّة في انعقاد الإجماع، فانظر ترجمته في كتب الرجال، تَرَ حاله، ودرجته بين العلماء الأعلام، ففي "طبقات الحفّاظ" للسيوطيّ: داود بن عليّ بن خَلَف الحافظ الفقيه المجتهد … إلى أن قال: وصنّف التصانيف، وكان بصيرًا بالحديث، صحيحه وسقيمه، إمامًا ورِعًا ناسكًا زاهدًا، كان في مجلسه أربعمائة طيلسان. انتهى، وقد أشبعت الكلام في هذا الموضوع في "شرح النسائيّ" ١/ ١٩٩ - ٢٠٣ فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.