للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

لما حَصَلَ في الكلام بعض الطول حَسُنَ إعادة "قال"؛ للتأكيد، ومثله في القرآن العزيز: {أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥)} [المؤمنون: ٣٥]، فأعاد: {أَنَّكُمْ}، وله نظائر كثيرة في القرآن العزيز والحديث، وقد تَقَدَّم بيانه في مواضع من هذا الكتاب. انتهى كلامه - رَحِمَهُ اللهُ -، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(انْطَلَقَ) أي ذهب (نَبِيُّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى رَضْمَةٍ مِنْ جَبَلٍ) "الرَّضْمَةُ" بفتح الراء، وإسكان الضاد المعجمة، وبفتحها، لغتان، حكاهما صاحب "المطالع" وغيره، واقتصر صاحب "العين"، والجوهريّ، والْهَرَويّ، وغيرهم على الإسكان، وابنُ فارس، وبعضُهم على الفتح، قالوا: "الرَّضْمَة": واحدة الرَّضْم، والرِّضَام، وهي: صخورٌ عِظامٌ، بعضها فوق بعض، وقيل: هي دون الْهِضَاب، وقال صاحب "العين": الرَّضْمَةُ: حِجارة مجتمعةٌ، ليست بثابتة في الأرض، كأنها منثورة. انتهى (١).

وقال المازريّ: الرَّضْمةُ: هي صُخُور بعضها على بعض، يقال: بَنَى داره يَرْضِمُ فيه الحجارةَ رَضْمًا، ومنه الحديث: "وكان البناءُ الأول من الكعبة رَضْمًا" (٢). انتهى (٣).

(فَعَلَا أَعْلَاهَا) أي صَعِدَ - صلى الله عليه وسلم - أعلى تلك الرضمة (حَجَرًا) منصوب على التمييز المحوّل من الفاعل، كما قال في "الخلاصة":

وَالْفَاعِلَ الْمَعْنَى انْصِبَنْ بِـ "أَفْعَلَا" … مُفَضِّلًا كَـ "أَنْتَ أَعْلَى مَنْزِلَا"

وَيحْتَمل أن يكون "حجرًا" مفعولًا به لـ "علا"، و"أعلاها" حال منه، وأصله صفة، فلما قُدّم أُعرب حالًا؛ لأن القاعدة أن نعت النكرة إذا قُدّمت تُعرَب حالًا، والوجه الأول أولى، والله تعالى أعلم.

(ثُمَّ نَادَى: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافَاهْ" هذا هو المسمَّى عند النحاة بالندبة، وهو


(١) "شرح النوويّ" ٣/ ٨٢.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنّفه" ٥/ ١٠٢ ضمن حديث طويل، وأحمد ٥/ ٤٥٥ مختصرًا، وحسّن إسناده بعضهم.
(٣) راجع: "إكمال المعلم" ٢/ ٨٨٣.