للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(فَيَأْتُونَ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُونَ: يَا مُوسَى، أَنْتَ رَسُولُ الله، فَضَّلَكَ اللهُ بِرِسَالَاتِهِ) وفي نسخة: "برسالته" (وَبِتَكْلِيمِهِ عَلَى النَّاسِ) هذا إشارة إلى قوله تعالى: {إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالَاتِي وَبِكَلَامِي} [الأعراف: ١٤٤]، قال القرطبيّ: لا خلاف بين أهل السنّة في أن موسى عليه السلام سمع كلام الله الذي لا يُشبهه كلام البشر الذي ليس بصوت ولا حرف، ولو سمعه بالحرف والصوت لَمَا صحّت خُصُوصيّة الفضيلة لموسى بذلك؛ إذ قد سمع كلامه تعالى بواسطة الحرف والصوت المشرِكُ كما قال تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦]. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ليس بصوت ولا حرف" غير صحيح؛ لأن مذهب أهل السنّة والجماعة من السلف الصالح أن الله تعالى يتكلّم بصوت وحرف متى شاء (٢)، وأما خصوصيّة موسى عليه السلام فليست من هذا الوجه، بل من جهة أنه سمع كلامه بلا واسطة، وأما سائر الناس، فإنما سمعوه بواسطة جبريل عليه السلام، ثم بواسطة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهذا مما لا يخفى على من له أدنى فهم، فتنبّه، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(اشْفَعْ لنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟) وفي نسخة: "أَلَا ترى إلى ما نحن فيه، أَلَا ترى إلى ما بلغنا" بزيادة "إلى" في موضعين، وفي أخرى بزيادتها في الأول دون الثاني (فَيَقُولُ لَهُمْ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَإِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا، لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا، نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُونَ عِيسَى، فَيَقُولُونَ: يَا عِيسَى، أَنْتَ رَسُولُ الله، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ) أي صغيرًا في الحال التي يُمهد لك فيها موضعك؛ لتضطجع عليه؛ لصغرك (وَكَلِمَةٌ مِنْهُ) قال ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: سمّاه كلمة؛ لأنه بكلمة "كن" من غير أن يتقلّب في أطوار الخلق كما تقلّب غيره (٣)، (أَلْقَاهَا


(١) "المفهم" ١/ ٤٣٣.
(٢) راجع: "شرح العقيدة الطحاويّة"، فقد أبان المذاهب كلها، وحقّقها تحقيقًا بالغًا ص ١٦٨ - ١٨٨.
(٣) "المفهم" ١/ ٤٣٥.