للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

كثير رحمه اللهُ (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

ومنها (٢): قوله لآلهتهم: {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: ٦٣]، إنما قاله ممهّدًا للاستدلال على أنها ليست آلهةً، وقطعًا لقومه في قولهم: إنها تضرّ وتنفع، وهذا الاستدلال، والذي قبله يتحرّر من الشرط المتّصل، ولذلك أردف على قوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ} قوله: {فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: ٦٣]، وعند ذلك قالوا: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: ٦٥]، فقال لهم: {أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ} [الأنبياء: ٦٦]، فحَقّت كلمته، وظهرت حجته.

ومنها: قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات: ٨٩]، وهذا تعريضٌ، وحقيقته أنه سيسقم، واسم الفاعل بمعنى المستقبل كثير، ويَحْتَمِل أن يُريد به أنه سقيم الحجة على الخروج معكم؛ إذ كان لا يصحّ على جواز ذلك حجّة.

ومنها: ما جاء في حديث إبراهيم عليه السلام أنه قال لزوجه سارة حين دخل أرض الجبّار، فسُئل عنها، فقال: إنها أختي، وصَدَقَ، فإنها أخته في الإسلام، وكذلك جاء عنه منصوصًا أنه قال: إنما أنتِ أختي في الإسلام.

وبالجملة فأوجه الأمور واضحة، وصِدْقها معلومٌ على الأوجه المذكورة، فليس في شيء منها ما يقتضي عِتابًا، ولا عقابًا، لكنّ هولَ المقام، وشدّة الأمر حَمَله على الخوف منها.

وأيضًا فلْنتبيَّن درجة من يقول: "نفسي نفسي" من درجة من يقول: "أمّتي أُمتي". انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله (٣).

(نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى) قيل: سُمّي بذلك؛ لأنه وُجد بين "مو"، وهو بالعبرانيّة الماء، و"شى"، وهو الشجر، فعُرّب، والله تعالى أعلم.


(١) "تفسير ابن كثير" ٦/ ٩٧ - ٩٩.
(٢) أي من تلك الكذبات التي قالها إبراهيم عليه السلام، فهو من تَتِمّة كلام القرطبيّ السابق، فتنبّه.
(٣) "المفهم" ١/ ٤٣١ - ٤٣٣.