للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الصحابة -رضي اللَّه عنه-، وقد ذكرت الأدلة مفصّلة، فراجع ذلك هناك، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

٦ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عند قوله: "وما من نبيّ إلا وقد أنذره قومه إلخ" قال: إنما كان هذا من الأنبياء -عليهم السلام- لِمَا علموا من عظيم فتنبّه، وشدة محنته، ولأنهم لمّا لم يُعيَّن لواحد منهم زمان خروجه، توقّع كل واحد منهم خروجه في زمان أمته، فبالغ في التحذير، وفائدة هذا الإنذار الإيمان بوجوده، والعزم على معاداته، ومخالفته، وإظهار تكذيبه، وصِدق الالتجاء إلى اللَّه تعالى في التعوّذ من فتنته، وهذا مذهب أهل السُّنَّة، وعامّة أهل الفقه والحديث، خلافًا لمن أنكر أمره، وأبطله من الخوارج، وبعض المعتزلة، وخلافًا للجبائيّ من المعتزلة، ومن وافقنا على إثباته من الجهمية وغيرهم، لكن زعموا أن ما عنده مخارق، وحِيَل، قال: لأنها لو كانت أمورًا صحيحة لكان ذلك إلباسًا للكاذب بالصادق، وحينئذٍ لا يكون فرق بين النبيّ والمتنبئ، وهذا هذيان، لا يُلتفت إليه، فإنَّ هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة، وليس كذلك، فإنه إنما ادَّعَى الإلهية، وكَذِبُهُ في هذه الدعوى واضح للعقول؛ إذ أدلة حدوثه ونقصه، وفقره مُدرَك بأول الفطرة، بحيث لا يجهله من له أدنى فكرة، وقد زاد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا المعنى إيضاحًا في هذا الحديث من ثلاثة أوجه:

[أحدها]: بقوله: "ولكن أقول لكم فيه قولًا لم يقله نبيّ لقومه، إنه أعور، وإن اللَّه ليس بأعور"، وهذا تنبيه للعقول القاصرة، أو الغافلة، على أن من كان ناقصًا في ذاته، عاجزًا عن إزالة نقصه، لم يصلح لأن يكون إلهًا؛ لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزًا عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره، وعن مضرّته.

[وثانيها]: قوله: "إنه مكتوب بين عينيه كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب وغير كاتب"، وهذا أمر مشاهد للحسّ يشهد بكذبه، وكفره.

[وثالثها]: قوله: "تَعَلَّموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت"، وهذا نصّ جليّ في أن اللَّه تعالى لا يُرى في هذه الدار، وهو موافق لقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} [الأنعام: ١٠٣]؛ أي: في الدنيا، ولقوله تعالى لموسى عليه السلام: {لَنْ تَرَانِي} الآية [الأعراف: ١٤٣]؛ أي: في الدنيا.