للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والمراد: الخندق الذي حُفر حول المدينة بأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان الذي أشار بذلك سلمان الفارسيّ -رضي اللَّه عنه- فيما ذكر أصحاب المغازي، منهم أبو معشر قال: قال سلمان للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خَندقنا علينا، فأمر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بحفر الخندق حول المدينة، وعَمِل فيه بنفسه ترغيبًا للمسلمين، فسارعوا إلى عمله، حتى فرغوا منه، وجاء المشركون، فحاصروهم، وكان ذلك في شوّال سنة أربع من الهجرة، على ما قاله موسى بن عقبة، ورجحه البخاريّ، وقيل: في شوّال سنة خمس، وبه قال ابن إسحاق، وغيره من أهل المغازي (١).

(وَجَعَلَ)؛ أي: شرع النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- (يَمْسَحُ رَأْسَهُ)؛ أي: يمسح الغبار من رأس عمّار، وفي حديث أبيّ -رضي اللَّه عنه- قال: كنا ننقل لَبِن المسجد لبنةً لبنةً، وكان عمار ينقل لبنتين، لبنتين، فمرّ به النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومسح عن رأسه الغبار، وقال: "وَيْحَ عمار، تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى اللَّه، ويدعونه إلى النار"، رواه البخاريّ.

وقوله: "يدعوهم" الضمير لقَتَلَته.

[فإن قيل]: كان قَتْله بصفين، وهو مع عليّ -رضي اللَّه عنه-، والذين قتلوه مع معاوية -رضي اللَّه عنه-، وكان معه جماعة من الصحابة، فكيف يجوز عليهم الدعاء إلى النار؟.

فالجواب: أنهم كانوا ظانين أنهم يدعون إلى الجنة، وهم مجتهدون، لا لوم عليهم في اتّباع ظنونهم، فالمراد بالدعاء إلى الجنة: الدعاء إلى سببها، وهو طاعة الإمام، وكذلك كان عمار -رضي اللَّه عنه- يدعوهم إلى طاعة عليّ -رضي اللَّه عنه-، وهو الإمام الواجب الطاعة إذ ذاك، وكانوا هم يدعون إلى خلاف ذلك، لكنهم معذورون للتأويل الذي ظهر لهم، قاله في "الفتح" (٢).

(وَيَقُولُ) -صلى اللَّه عليه وسلم- في حال مسحه رأسه: ("بُؤْسَ ابْنِ سُمَيَّةَ)؛ أي: يا بؤسَه، وما يلقاه، وشدّةَ حاله، قاله في "المشارق" (٣)، وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: كأنه ترحم له من الشدّة التي يقع فيها. انتهى (٤).


(١) راجع: "الفتح" ٩/ ١٨٢ - ١٨٣، "كتاب المغازي" رقم (٤٠٩٧).
(٢) "الفتح" ١/ ٥٤٢.
(٣) "مشارق الأنوار" ١/ ٧٥.
(٤) "النهاية في غريب الأثر" ١/ ٨٩.