للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ")؛ أي: الذي أسمعه من القبر، وقال ابن حجر (١): أي: مثل الذي أسمعه، وهو مفعول ثان لـ"يُسمِع أي: أن يوصل إلى آذانكم أصوات المعذَّبين في القبر، فإنكم لو سمعتم ذلك تركتم التدافن، من خوف قلع صياح الموتى أفئدتكم، أو خوف الفضيحة في القرائب؛ لئلا يُطَّلع على أحوالهم، وهذا الحديث مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلًا ولبَكيتم كثيرًا".

وقال التوربشتيّ -رحمه الله-: هذا كلام مجمل، وما يسبق إلى الفهم هو أنهم لو سمعوا ذلك لتركوا التدافن حذرًا من عذاب القبر، وفيه نظر؛ لأن المؤمن لا يليق به ذلك، بل يجب عليه أن يعتقد أن الله تعالى إذا أراد تعذيب أحد عذّبه، ولو في بطن الحيتان، وحواصل الطيور، وسيّان دون القدرة الإلهيّة بَطْن الأرض وظهرها، وبعد ذلك، فإن المؤمنين أُمروا بدفن الأموات، فلا يسعهم تَرْك ذلك إذا قَدَروا عليه، والذي نهتدي إليه بمقدار علمنا هو أن الناس لو سمعوا ذلك لأهمّ كلّ واحد منهم خويصّة نفسه، وعمّهم من ذلك البلاء العظيم حتى أفضى بهم إلى ترك التدافن، وخَلَع الخوف أفئدتهم حتى لا يكادوا يقربوا جيفة ميت، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لو علمتم ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا"، وفيه أن الكشف بحسب الطاقة، ومن كوشف بما لا يسعه يطيح، ويهلك. انتهى (٢).

وقال المناويّ -رحمه الله-: قوله: "فلولا أن لا تدافنوا" بحذف إحدى التاءين؛ أي: لولا خوف ترك التدافن، من خوف أن يصيبكم من العذاب ما أصاب الميت، "لدعوت الله أن يسمعكم" هو مفعول "دعوت" على تضمينه معنى سألت؛ لأن دعوت لا يتعدى إلى مفعولين.

وقال الطيبيّ -رحمه الله-: قوله: "أن يسمعكم" مفعول ثان لـ"دعوت" على تضمين "سألت" و"الذي" مفعول "أن يسمعكم"، و"من عذاب القبر" بيان له، حال منه، مقدَّم عليه، ومعنى "لولا أن لا تدافنوا" أنهم لو سمعوه لتركوا


(١) هو: الهيتميّ بالتاء، لا العسقلانيّ، فتنبّه.
(٢) "الكاشف عن حقائق السنن" ٢/ ٥٩٢.