للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

التشكيك في تفسير ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- لضحك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله: "تصديقًا له"، وتخطئة ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- في خبره ذلك عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو المشاهد للقصّة، والأعلم بدلالة حال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومقاله، هذا ولو لم يَرِد هذا التفسير عن ابن مسعود -رضي اللَّه عنه- لكان ضحك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتلاوته للآية كافيًا في تقرير ما قاله اليهوديّ من ذكر الأصابع، وجعل المخلوقات عليها، وأما الحمل في ذلك على اليهود، وأنها مشبّهة، فنَعَم اليهود مشبّهة فيما نسبوه إلى اللَّه تعالى من النقائص؛ كالفقر، والإعياء، والبكاء، وأما ما وصفوا اللَّه به مما دلّ عليه القرآن والسُّنَّة، فلا يجوز ردّه؛ لوروده على ألسنتهم، فلو لم يُقرّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- اليهوديّ على ما قال، لَمَا صحّ الاستدلال بقول اليهوديّ على إثبات الأصابع، بل كان الواجب التوقّف فيه كما هو الواجب في كل ما يحدّث به بنو إسرائيل فيما لم يَرِد به دليل على ثبوته، ولا نفيه.

قال الجامع عفا اللَّه عنه: قد تقدّم ما يقطع هذا التشكيك، والترديد، وهو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر الناس أولًا، ثم جاء اليهوديّ بعده، فأخبره به، فضحك النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وذلك في حديث أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه-، مرفوعًا: "تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يكفؤها الجبار بيده. . . إلى أن قال: فأتى رجل من اليهود، فقال: تكون الأرض خبزة واحدة إلى آخره، فأخبره الخبر، كما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، قال: فنظر إلينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-"، ثم ضحك حتى بدت نواجذه.

فهذا نصّ صريح أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخبر بالخبر قبل اليهوديّ، ثم جاء هو، فوافق خبره خبره، فأعجبه ذلك، فضحك -صلى اللَّه عليه وسلم-.

قال البرّاك: وفي كلام الخطابيّ والقرطبي عفا اللَّه عنهما تخبّط، حَمَلهما عليه أصلهما الفاسد الذي استقرّ في فهمهما، وفَهْم كثير ممن يفهم حقيقة مذهب السلف الصالح، وذلك الأصل الفاسد هو نفي حقائق هذه الصفات؛ كالوجه، واليدين، والأصابع، والعين، وكالمحبّة، والرضا، والغضب، والضحك، والفرح إلى غير ذلك بشبهة أن إثباتها يستلزم التشبيه، وهي عين الشبهة التي نفت بها الجهميّة، والمعتزلة أسماء اللَّه تعالى، وصفاته، فما يردّ به الأشاعرة ونحوهم ممن يفرّق بين الصفات على الجهميّة والمعتزلة هو ما يردّ به أهل السُّنَّة عليهم فيما وافقوا فيه المعتزلة والجهميّة، فلا بدّ للأشاعرة ونحوهم