قال: فإن قيل: قد صحّ حديث: "إن قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن".
فالجواب: أنه إذا جاءنا مثل هذا في الكلام الصادق تأولناه، أو توقفنا فيه إلى أن يتبين وجهه مع القطع باستحالة ظاهره؛ لضرورة صدق من دلّت المعجزة غلى صدقه، وأما إذا جاء على لسان من يجوز عليه الكذب، بل على لسان من أخبر الصادق عن نوعه بالكذب، والتحريف، كذّبناه، وقبّحناه، ثم لو سلّمنا أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- صرّح بتصديقه، لم يكن ذلك تصديقًا له في المعنى، بل في اللفظ الذي نقله من كتابه عن نبيه، ونقطع بأن ظاهره غير مراد. انتهى كلام القرطبيّ ملخصًا.
قال الحافظ: وهذا الذي نحا إليه أخيرًا أَولى مما ابتدأ به؛ لِمَا فيه من الطعن على ثقات الرواة، وردّ الأخبار الثابتة، ولو كان الأمر على خلاف ما فهمه الراوي بالظنّ للزم منه تقرير النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على الباطل، وسكوته عن الإنكار، وحاشا للَّه من ذلك.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ما أحسن تعقّب الحافظ على القرطبيّ بهذا، ولكنه ليسر، بالحدّ المطلوب، وأقوى منه وأبلغ ردّ ابن خزيمة -رَحِمَهُ اللَّهُ- كما نقله في "الفتح"، فقال:
وقد اشتدّ إنكار ابن خزيمة على من ادّعى أن الضحك المذكور كان على سبيل الإنكار، فقال بعد أن أورد هذا الحديث في "كتاب التوحيد" من "صحيحه" بطريقه: قد أجلّ اللَّه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن أن يوصف ربه بحضرته بما ليس هو من صفاته، فيجعل بدل الإنكار والغضب على الواصف ضحكًا، بل لا يصف النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهذا الوصف من يؤمن بنبوته. انتهى.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: ومما ينفّد قولهم: إن ضحكه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان للإنكار، لا للتصديق، ما أخرجه الشيخان -ويأتي عند مسلم بعد بابين- عن أبي سعيد الخدريّ -رضي اللَّه عنه-، عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال:"تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة، يتكفؤها الجبار بيده، كما يكفأ أحدكم خبزته في السّفّر نُزلًا لأهل الجنة"، فأتى رجل من اليهود، فقال: بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم، ألا أخبرك بنُزُل أهل الجنة يوم القيامة؛ قال:"بلى"، قال: تكون الأرض خبزة