الإرادة، فإن الفرح ضدّه الحزن، والرضا ضدّه السخط، والمحبّة ضدّها البغض، وكلّ هذه الصفات التي وردت في النصوص إضافتها إلى اللَّه تعالى تنفيها الأشاعرة، وأهل التأويل منهم يفسّرونها بالإرادة، وأهل السُّنَّة والجماعة لا يفرّقون بين الصفات الواردة في الكتاب والسُّنَّة، بل يُثبتونها للَّه عزَّ وجلَّ على ما يليق به سبحانه وتعالى من غير تكييف، ولا تمثيل، ويردّون على الأشاعرة بأن حكم الصفات واحد، والتفريق بينها تفريق بين المتماثلات، ولهذا يلزمهم فيما أثبتوه نظير ما فرّوا منه فيما نفوه. انتهى كلام البرّاك حفظه اللَّه (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، فتمسّك به، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.
(بِتَوْبَةِ أَحَدِكُمْ مِنْ أَحَدِكُمْ)؛ أي: من فرح أحدكم (بِضَالَّتِهِ)؛ أي: بوجدان ضالته بعد فَقْدها، قال في "النهاية": الضالة هي الضائعة من كل ما يُقتنى، من الحيوان وغيره، يقال: ضلّ الشيءُ: إذا ضاع، وهي في الأصل فاعلة، ثم اتُّسِع فيها، فصارت من الصفات الغالبة، وتقع على الذكر والأنثى، والاثنين والجمع. انتهى.
وقال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ضَلَّ الرجلُ الطريقَ، وضَل عنه يَضِلُّ، من باب ضرب ضَلَالًا، وضَلَالةً: زَلّ عنه، فلم يهتد إليه، فهو ضَالٌّ، هذه لغة نجد، وهي الفُصْحَى، وبها جاء القرآن في قوله تعالى:{قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي}[سبأ: ٥٠]، وفي لغة لأهل العالية من باب تَعِبَ، والأصل في الضَّلالِ: الغَيبة، ومنه قيل للحيوان الضائع: ضَالَّةٌ بالهاء للذكر والأنثى، والجمعُ الضَّوَالُّ، مثل دابّة ودوابّ، ويقال لغير الحيوان: ضائعٌ، ولُقَطَةٌ، وضَلَّ البعيرُ: غاب، وخَفِي موضعه، وأَضْلَلْتُهُ بالألف: فقدته، قال الأزهريّ: وأَضْلَلْتَ الشيءَ بالألف: إذا ضاع منك، فلم تعرف موضعه، كالدّابّة، والناقة، وما أشبههما، فإن أخطأت موضع الشيء الثابت، كالدار، قلت: ضَلَلْتُهُ، وضَلِلْتُهُ، ولا تقل: أَضْلَلْتُهُ بالألف، وقال ابن الأعرابيّ: أَضَلَّنِي كذا بالألف: إذا عجزت عنه، فلم تقدر عليه، وقال في "البارع": ضَلَّنِي فلان، وكذا في غير الإنسان يَضِلُّنِي: إذا ذهب عنك، وعجزت عنه، وإذا طلبت حيوانًا، فأخطأت
(١) تعليق الشيخ البرّاك على هامش "الفتح" ١٤/ ٢٩٢، "كتاب الدعوات" رقم (٦٣٠٩).