للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال القاري: وأما قول ابن حجر (١): ولا يلزم من مقابلة التقوى للفجور قَصْرها على ضدّ الفجور، خلافًا لمن توهّمه. فمكابرة؛ لأن المقابلة صحيحة. انتهى (٢).

(أَنْتَ وَلِيُّهَا)، أي: ناصِرها، هذا راجع إلى قوله: "آت نفسي تقواها"، كأنه يقول: انصرها على فعل ما يكون سببًا لرضاك عنها؛ لأنك ناصرها، (وَمَوْلَاهَا) هذا راجع إلى قوله: "زكّها": يعني: طهّرها بتأديبك إياها، كما يؤدّب المولى عبده.

وقال الطيبيّ: "أنت وليها، ومولاها" استئناف على بيان الموجب، وأن إيتاء التقوى، وتحصيل التزكية فيها إنما كان لأنه هو متولي أمورها، ومالكها، فالتزكية إن حُملت على تطهير النفس عن الأفعال، والأقوال، والأخلاق الذميمة، كانت بالنسبة إلى التقوى مظاهر ما كان مكمنًا في الباطن، وإن حُملت على الإنماء، والإعلاء بالتقوى، كانت تحلية بعد التخلية؛ لأن المتّقي شرعًا: مَن اجتنب النواهي، وأتى بالأوامر، ذكره القاري (٣).

(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْم لَا يَنْفَعُ) قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: عِلم لا أعمل به، ولا أعلِّمه الناس، ولا يهذب الأخلاق، والأقوال، والأفعال، أو علم لا يُحتاج إليه في الدين، أو لا يَرِد في تعلمه إذن شرعيّ.

وقال الطيبيّ أيضًا: "من علم لا ينفع"؛ أي: لا يهذّب الأخلاق الباطنة، فيسري منها إلى الأفعال الظاهرة، ويحصل بها الثواب الآجل، وأُنشدتّ [من الكامل]:

يَا مَنْ تَقَاعَدَ عَنْ مَكَارِمِ خُلْقِهِ … لَيْسَ افْتِخَارٌ بِالْعُلُومِ الزَّاخِرَهْ

مَنْ لَمْ يُهَذِّبْ عِلْمُهُ أَخْلَاقَهُ … لَمْ يَنْتَفِعْ بِعُلُومِهِ فِي الآخِرَهْ


(١) ابن حجر هذا هو أحمد بن محمد الْهَيتميّ الشافعيّ المتوفّى سنة (٩٧٤ هـ)، وليس هو الحافظ العسقلانيّ أحمد بن علي المتوفّى سنة (٨٥٢ هـ) صاحب "فتح الباري" الذي يتردّد النقل عنه في هذا الشرح، فتفطّن.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ٥/ ٣١٦.
(٣) "المرقاة" ٥/ ٣١٦ - ٣١٧.