للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

(وَالْجُبْنِ) بضم، فسكون، أو بضمّتين؛ أي: البخل في النفس، وعدم الجراءة على الطاعة، وإنما تعوَّذ منه؛ لأنه يؤدّي إلى عذاب الآخرة؛ لأنه يفرّ من الزحف، وهو من الكبائر التي جاء بها الوعيد الشديد في قوله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٦)} [الأنفال: ١٦]، وربما يُفتن عن دينه، فيرتدّ؛ لِجُبن أدركه، وخوف على مُهْجته من الأسر والعبودية، فقد خسر خسرانًا مبينًا.

قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الجود إما بالنفس، وهو الشجاعة، ويقابله الجبن، وإما بالمال، وهو السخاء، ويقابله البخل، ولا تجتمع الشجاعة والسخاوة إلا في نفس كاملة، ولا ينعدمان إلا من مُتناه في النقص. انتهى (١).

وقال في "المرقاة": الْبُخْل يشمل عدم النفع بالمال، أو العلم، أو غيرهما، ولو بالنصيحة.

(وَالْهَرَمِ) بفتحتين؛ أي: الخَرَف، وبلوغ أرذل العمر، (وَعَذَابِ الْقَبْرِ)؛ أي: من الضيق، والظُّلمة، والوحشة، والضرب بالمِقمعة، ولَدْغ الحيّة، وأمثال ذلك، مما وَرَدَ تعذيب العصاة به، أو المراد: ما يوجب عذابه، من الغِيبة، والنميمة، والبول، كما وردت النصوص أن أكثر عذاب القبر بذلك.

(اللَّهُمَّ آتِ) بالمدّ؛ أي: أعط (نَفْسِي تَقْوَاهَا)؛ أي: صيانتها عن المحظورات. قال الطيبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ينبغي أن تفسّر التقوى هنا بما يُقابل الفجور في قوله تعالى: {فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)} [الشمس: ٨]، وهي الاحتراز عن متابعة الهوى، وارتكاب الفجور، والفواحش؛ لأن الحديث كالتفسير والبيانِ للآية، فدلّ قوله: "آت" على أن الإلهام في الآية هو خَلْق الداعية الباعثة على الاجتناب عن المذكورات.

(وَزَكِّهَا)؛ أي: طهّرها، (أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا) دلّ على أن إسناد التزكية إلى النفس في الآية هو نسبة الكسب إلى العِبد، لا خَلْق الفعل له، كما زعمت المعتزلة؛ لأن الخيريّة تقتضي المشاركة بين كَسْب العبد، وخَلْق القدرة فيه.


(١) راجع: "تحفة الأحوذيّ" ١٠/ ١٢.