للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قال الجامع عفا اللَّه عنه: مسألة وقوع الخطأ من الأنبياء عليهم السلام قد حقّقه شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "مجموع الفتاوى"، حيث قال ما نصّه:

والقول الذي عليه جمهور الناس، وهو الموافق للآثار المنقولة عن السلف إثبات العصمة من الإقرار على الذنوب مطلقًا، والردّ على من يقول: إنه يجوز إقرارهم عليها، وحُجج القائلين بالعصمة إذا حُرِّرت إنما تدلّ على هذا القول، وحُجج النفاة لا تدلّ على وقوع ذنب أُقرّ عليه الأنبياء عليهم السلام، فإن القائلين بالعصمة احتجوا بأن التأسي بهم مشروع، وذلك لا يجوز إلا مع تجويز كون الأفعال ذنوبًا، ومعلوم أن التأسي بهم إنما هو مشروع فيما أُقرّوا عليه، دون ما نُهوا عنه، ورجعوا عنه، كما أن الأمر والنهي إنما تجب طاعتهم فيما لم يُنسخ منه، فأما ما نُسخ من الأمر والنهي فلا يجوز جعله مأمورًا به، ولا منهيًّا عنه، فضلًا عن وجوب اتباعه، والطاعة فيه.

وكذلك ما احتجوا به من أن الذنوب تنافي الكمال، أو أنها ممن عَظُمت عليه النعمة أقبح، أو أنها توجب التنفير، أو نحو ذلك من الحجج العقلية، فهذا إنما يكون مع البقاء على ذلك، وعدم الرجوع، وإلا فالتوبة النصوح التي يقبلها اللَّه يُرفَع بها صاحبها إلى أعظم مما كان عليه، كما قال بعض السلف: كان داود؛ بعد التوبة خيرًا منه قبل الخطيئة، وقال آخر: لو لم تكن التوبة أحب الأشياء إليه لَمَا ابتَلَى بالذنب أكرم الخلق عليه. انتهى كلام شيخ الإسلام -رَحِمَهُ اللَّهُ- باختصار (١)، وهو تحقيق نفيس.

وخلاصة القول في هذا: أن الأنبياء عليهم السلام معصومون من الكبائر مطلقًا، وأما الصغائر فما يوجب الخسّة، وينفّر الناس عنهم؛ كسرقة لقمة، وتطفيف الكيل بحبة، أو نحو ذلك، فلا يقع منهم أصلًا، وأما ما ليس كذلك فقد يقع منهم، إلا أنهم لا يُقَرّون عليه، بل يأتيهم الوحي بالتنبيه، والتقويم، فهذا هو المذهب الصحيح؛ لوضوح حجته، واستنار محجّته، فتأمله بالإمعان، واللَّه تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

[تكميل]: نقل الكرمانيّ تبعًا لمغلطاي عن القرافيّ أن قول القائل في


(١) "مجموع الفتاوى" ١٠/ ٢٩٣ - ٢٩٤.