للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الطيبيّ: الخفة مستعارة للسهولة، شبّه سهولة جريان هذا الكلام على اللسان بما يَخِفّ على الحامل من بعض المحمولات، ولا يشقّ عليه، فذكر المشبَّه، وأراد المشبَّه به، وأما الثِّقَل فعلى حقيقته؛ لأن الأعمال تتجسم عند الميزان، والميزان هو الذي يوزن به في القيامة أعمال العباد، وفي كيفيته أقوال، والأصح أنه جسم محسوس، ذو لسان، وكِفّتين، والله تعالى يجعل الأعمال كالأعيان موزونة، أو يوزن صحف الأعمال، أو العباد أنفسهم، أو ثواب أعمالهم، والحقّ أن الكلّ يوزن؛ لأن النصوص وردت بكلّ ذلك، ذكره في "العمدة" (١).

وقال في "الفتح": قوله: "خفيفتان" فيه إشارة إلى قلة كلامهما، وأحرفهما، ورشاقتهما، قال الطيبيّ: الخفة مستعارة للسهولة، وشبّه سهولة جريانها على اللسان بما خف على الحامل من بعض الأمتعة، فلا تتعبه، كالشيء الثقيل، وفيه إشارة إلى أن سائر التكاليف صعبة شاقّة على النفس ثقيلة، وهذه سهلة عليها، مع أنها تُثَقّل الميزان، كثقل الشاقّ من التكاليف.

وقد سئل بعض السلف عن سبب ثقل الحسنة، وخفة السيئة، فقال: لأن الحسنة حضرت مرارتها، وغابت حلاوتها، فثقلت، فلا يحملنّك ثقلها على تَرْكها، والسيئة حضرت حلاوتها، وغابت مرارتها، فلذلك خَفّت، فلا يحملنّك خفتها على ارتكابها. انتهى (٢).

(حَبِيبَتَانِ)؛ أي: محبوبتان؛ والمعنى: محبوبٌ قائلهما، ومحبة الله للعبد تقدّم أنه حقيقة على ما يليق بجلاله.

قال الكرمانيّ رَحِمَهُ اللهُ (٣): فإن قيل: فَعِيل بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولا سيما إذا كان موصوفه معه، فَلِمَ عَدل عن التذكير إلى التأنيث؟.

فالجواب: أن ذلك جائز، لا واجب، وأيضًا فهو في المفرد، لا المثنى. سلّمنا، لكن أنّث لمناسبة الثقيلتين والخفيفتين، أو لأنها بمعنى الفاعل، لا المفعول، والتاء لنقل اللفظة من الوصفية إلى الاسمية، وقد يُطلق على ما لم يقع، لكنه متوقع، كمن يقول: خذ ذبيحتك للشاة التي لم تُذْبَح، فإذا وقع عليها


(١) "عمدة القاري" ٢٣/ ٢٦.
(٢) "الفتح" ١٧/ ٦٣٢.
(٣) "شرح صحيح البخاريّ" للكرمانيّ ٢٥/ ٢٤٩ - ٢٥٠.