فقال: أرأيتَ إذا صليتُ الصلوات المكتوبات، وصمت رمضان، وأحللت الحلال، وحرمت الحرام، ولم أزد على ذلك شيئًا أأدخل الجنة؟ قال:"نعم"، قال: والله لا أزيد على ذلك شيئًا.
ثم قال: هذه الترجمة يشهد بصحّتها الحديثان المذكوران تحتها، فأما حديث أبي أيوب فمن حيث إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - دلّ السائل على فعل ما وجب، وقال:"إن تمسّك بما أُمر به دخل الجنّة"، وأما حديث جابر - رضي الله عنه - فمن حيث إن السائل إنما سأله عن دخول مَن فَعَلَ ما يجب عليه، وانتهى عما حُرِّم عليه الجنّة، فأجابه بـ "نعم"، ولم يذكر لهما في هذين الحديثين شيئًا من فعل التطوّعات، فدلّ على صحّة ما ذكرناه، وعلى جواز ترك التطوّعات على الجملة.
لكن من تركها، ولم يَعمل شيئًا منها، فقد فوّت على نفسه ربحًا عظيمًا، وثوابًا جسيمًا، ومن داوم على ترك شيء من السنن، كان ذلك نقصًا في دينه، وقدحًا في عدالته، فإن كان تركه تهاونًا به، ورغبةً عنها، كان ذلك فسقًا، يستحقّ به ذمًّا.
وقال علماؤنا: لو أن أهل بلدة تواصلوا على ترك سنّة لقوتلوا عليها حتى يرجعوا.
ولقد كان صدر الصحابة ومن بعدهم يثابرون على فعل السنن والفضائل مثابرتهم على الفرائض، ولم يكونوا يفرّقون بينهما في اغتنام ثوابهما، وإنما احتاج أئمة الفقهاء إلى ذكر الفرق بينهما لما يترتّب عليه من وجوب الإعادة وتركها، وخوف العقاب على الترك، ونفيه إن حصل تركٌ ما بوجه ما.
وإنما سكت النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لهؤلاء السائلين عن ذكر التطوّعات، ولم يذكرها لهم كما ذكرها في حديث طلحة بن عُبيد الله - رضي الله عنه -؛ لأن هؤلاء - والله أعلم - كانوا حديثي عهد بإسلام، فاكتفى منهم بفعل ما وَجَبَ عليهم في تلك الحال؛ لئلا يثقل ذلك عليهم، أو لئلا يعتقدوا أن تلك السنن والتطوّعات واجبة، فتركهم إلى أن تنشرح صدورهم بالفهم عنه، والحرص على تحصيل ثواب تلك المندوبات، فتسهل عليهم.
ومن المعلوم أنّ هؤلاء ما سُوِّغ لهم ترك الوتر، ولا صلاة العيدين، ولا