للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

متعلّق في ذلك المكان، ويريدان أبا ذرّ - رضي الله عنه -. (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("مَا قَالَ لَكُمَا؟ "، قَالَتَا: إِنَّهُ قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلأُ الْفَمَ)؛ أي: كلمة عظيمة، حتى يكون الفم يضيق عنها؛ لِعِظَمها.

وقال النوويّ: أي: عظيمة لا شيء أقبح منها، كالشيء الذي يملأ الشيء، ولا يسع غيره، وقيل: معناه: لا يمكن ذِكرها، وحكايتها، كأنها تسدّ فم حاكيها، وتملؤه؛ لاستعظامها. انتهى (١).

(وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) إلى البيت (حَتَّى اسْتَلَمَ الْحَجَرَ) الأسود؛ فيه أن ابتداء الطواف منه. (وَطَافَ بِالْبَيْتِ هُوَ وَصَاحِبُهُ) أبو بكر الصدّيق - رضي الله عنه -، (ثُمَّ صَلَّى) ركعتي الطواف، فيه مشروعيّتهما. (فَلَمَّا قَضَى صَلَاَتَهُ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ: فَكُنْتُ أَنَا أَوَّلُ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلَام) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: يعني به: السلام عليك يا رسول الله! وظاهره أنه أُلهم النُّطق بتلك التحية؛ إذ لم يكن سمعها قبل ذلك، وعِلْمه بكونه أوّل من حيّاه يَحْتَمِل أن يكون إلهامًا، ويَحْتَمِل أن يكون عَلِمه بعد ذلك بالاستقراء، ثم أَخبر عنه، والله تعالى أعلم. انتهى (٢).

(قَالَ: فَقُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: "وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ") قال النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هكذا هو في جميع النُّسخ: "وعليك" من غير ذِكر السلام، وفيه دلالة لأحد الوجهين لأصحابنا أنه إذا قال في ردّ السلام: "وعليك" يجزئه؛ لأن العطف يقتضي كونه جوابًا، والمشهور من أحواله - صلى الله عليه وسلم -، وأحوال السلف ردّ السلام بكماله، فيقول: وعليكم السلام ورحمة الله، أو: ورحمته وبركاته، وسبق إيضاحه في بابه. انتهى (٣).

(ثُمَّ قَالَ) - صلى الله عليه وسلم -: ("مَنْ أَنْتَ؟ "، قَالَ) أبو ذرّ: (قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ)؛ أي: أنا رجل من قبيلة غفار. (قَالَ) أبو ذرّ: (فَأَهْوَى بِيَدِهِ)؛ أي: مدّ يده - صلى الله عليه وسلم -، يقال: أهوى إلى الشيء بيده: مدّها ليأخذه إذا كان عن قُرب، فإن كان عن بُعد قيل: هَوَى إليه بغير ألف، وأهويتُ بالشيء بالألف: أومأت إليه، قاله الفيّوميّ (٤). (فَوَضَعَ أَصَابِعَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ) - صلى الله عليه وسلم -، قال أبو ذرّ: (فَقُلْتُ: فِي نَفْسِي)؛ أي: سرًّا من


(١) "شرح النوويّ" ١٦/ ٢٩ - ٢٣٠.
(٢) "المفهم" ٦/ ٣٩٦.
(٣) "شرح النوويّ" ١٦/ ٢٣٠.
(٤) "المصباح المنير" ٢/ ٦٤٣ - ٦٤٤.