هذه في السنة التاسعة من الهجرة، كما تقدّم، فكيف يجوز مع ذلك الاستغفار للمنافقين مع الجزم بكفرهم في نفس الآية؟.
قال الحافظ: وقد وقفت على جواب لبعضهم عن هذا، حاصله: أن المنهي عنه استغفارٌ تُرجَى إجابته حتى يكون مقصوده تحصيل المغفرة لهم، كما في قصّة أبي طالب، بخلاف الاستغفار لمثل عبد الله بن أُبيّ، فإنه استغفار لِقَصْد تطييب قلوب من بقي منهم.
قال الحافظ: وهذا الجواب ليس بمَرْضيّ عندي، ونحوه قول الزمخشريّ، فإنه قال:
[فإن قلت]: كيف خفي على أفصح الخلق، وأَخبَرِهم بأساليب الكلام، وتمثيلاته أن المراد بهذا العدد أن الاستغفار، ولو كثر لا يُجدي، ولا سيما وقد تلا قوله:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} الآية [التوبة: ٨٠]، فبيَّن الصارف عن المغفرة لهم؟.
[قلت]: لم يَخفَ عليه ذلك، ولكنه فعل ما فعل، وقال ما قال، إظهارًا لغاية رحمته، ورأفته على من بُعث إليهم، وهو كقول إبراهيم -عَلَيْهِ السَّلَام-: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}[إبراهيم: ٣٦]، وفي إظهار النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرأفة المذكورة لُطْف بأمته، وباعث على رحمة بعضهم بعضًا. انتهى.
وقد تعقّبه ابن المنيّر وغيره، وقالوا: لا يجوز نسبة ما قاله إلى الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأن الله أخبر أنه لا يَغفر للكفار، وإذا كان الله لا يغفر لهم، فطَلَبُ المغفرة لهم مستحيل، وطلب المستحيل لا يقع من النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
ومنهم من قال: إن النهي عن الاستغفار لمن مات مشركًا لا يستلزم النهي عن الاستغفار لمن مات مظهرًا للإسلام؛ لاحتمال أن يكون معتقَده صحيحًا. وهذا جواب جيّد.
وقد رجّح الحافظ في تفسير "سورة القصص" أن نزول الآية كان متراخيًا عن قصة أبي طالب جدًّا، وأن الذي نزل في قصته:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} الآية [القصص: ٥٦].
قال: إلا أن في بقية هذه الآية من التصريح بأنهم كفروا بالله ورسوله ما يدلّ على أن نزول ذلك وقع متراخيًا عن القصّة، ولعلّ الذي نزل أوّلًا،