٥ - (ومنها): ما قال ابن العربيّ رحمه الله: اللبن رزق يخلقه الله طيِّبًا بين أخباث، من دم وفرث؛ كالعلم نور يُظهره الله في ظلمة الجهل، فضُرب به المَثَل في المنام، قال بعض العارفين: الذي خَلَّصَ اللبن من بين فرث ودم قادر على أن يخلق المعرفة من بين شك وجهل، ويحفظ العمل عن غفلة وزلل، وهو كما قال، لكن اطَّردت العادة بأن العلم بالتعلم، والذي ذَكَره قد يقع خارقًا للعادة، فيكون من باب الكرامة.
٦ - (ومنها): ما قال ابن أبي جمرة رحمه الله: تأوَّل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اللبنَ بالعلم؛ اعتبارًا بما بُيِّن له أوّلَ الأمر حين أُتي بقدح خمر، وقدح لبن، فأخذ اللبن، فقال له جبريل عليه السلام: أخذت الفطرة … الحديث، قال: وفي الحديث مشروعية قصّ الكبير رؤياه على من دونه، وإلقاء العالم المسائل، واختبار أصحابه في تأويلها، وأن من الأدب أن يردّ الطالب عِلم ذلك إلى معلمه، قال: والذي يظهر أنه لم يُرِدْ منهم أن يعبروها، وإنما أراد أن يسألوه عن تعبيرها، ففَهِموا مراده، فسألوه، فأفادهم، وكذلك ينبغي أن يُسْلَك هذا الأدبُ في جميع الحالات، قال: وفيه أن عِلم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالله لا يبلغ أحد درجته فيه؛ لأنه شَرِب، حتى رأى الرِّيّ يخرج من أطرافه، وأما إعطاؤه فَضْله عمر، ففيه إشارة إلى ما حصل لعمر من العلم بالله، بحيث كان لا يأخذه في الله لومة لائم، قال: وفيه أن من الرؤيا ما يدل على الماضي، والحال، والمستقبل، قال: وهذه أُوِّلت على الماضي، فإن رؤياه هذه تمثيل بأمر قد وقع؛ لأن الذي أعطيه -صلى الله عليه وسلم- من العلم كان قد حصل له، وكذلك الذي أعطيه عمر -رضي الله عنه-، فكانت فائدة هذه الرؤيا تعريف قَدْر النسبة بين ما أعطيه -صلى الله عليه وسلم- من العلم وما أعطيه عمر -رضي الله عنه- (١).
٧ - (ومنها): ما قال المهلّب -رضي الله عنه-: رؤية اللبن في النوم تدلّ على السُّنَّة، والفطرة، والعلم، والقرآن؛ لأنه أول شيء يناله المولود من طعام الدنيا، وبه تقوم حياته، كما تقوم بالعلم حياة القلوب، فهو يناسب العلم من هذه الجهة، وقد يدلّ على الحياة؛ لأنها كانت في الصِّغَر، وقد يدلّ على الثواب؛ لأنه من
(١) "الفتح" ٨/ ٣٧٩، كتاب "فضائل الصحابة" رقم (٣٦٨١).