(المسألة السادسة): فيما قيل في عدد الصحابة -رضي الله عنهم-:
(اعلم): أن المعتمَد أنهم لا يُحصرون إجمالًا فضلًا عن تفصيلهم؛ لتفرّقهم في البلدان، والنواحي، فقد ثبت قول كعب بن مالك -رضي الله عنه- في قصة تبوك بخصوصها:"والمسلمون كثير لا يجمعهم ديوان حافظ".
قال الحافظ العراقيّ -رحمه الله-: ولا شكّ أنه لا يمكن حصرهم بعد فُشُوّ الإسلام، وقد ثبت في "صحيح البخاريّ" أن كعب بن مالك -رضي الله عنه- قال في قصّة تخلّفه عن غزوة تبوك: وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثير لا يجمعهم كتابٌ حافظ -يعني: الديوان- والحديث هذا في غزوةٍ خاصّة، وهم مجتمعون، فكيف بجميع من رآه مسلمًا؟ والله أعلم (١).
وقال أبو زرعة الرازيّ -رحمه الله- ردًّا على من قال له: أليس يقال: حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أربعة آلاف حديث؟ فقال: ومن قال ذا؟ قلقل الله أنيابه، هذا قول الزنادقة، ومن يحصي حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قُبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن مائة ألف، وأربعة عشر ألفًا من الصحابة، ممن روى عنه، وسمع منه، فقيل له: هؤلاء أين كانوا؟ وأين سمعوا منه؟ قال: أهل المدينة، وأهل مكة، ومَن بينهما من الأعراب، ومن شهد معه حجة الوداع، كلٌّ رآه، وسمع منه بعرفة.
قال ابن فتحون في "ذيل الاستيعاب" بعد إيراده لهذا: أجاب به أبو زرعة سؤال من سأله عن الرواة خاصّة، فكيف بغيرهم؟ انتهى. وكذا لم يدخل في ذلك من مات في حياته في الغزوات وغيرها.
على أنه قد جاء عن أبي زرعة رواية أخرى، أوردها أبو موسى المدينيّ في "الذيل" قال: تُوُفّي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ومن رآه، وسمع منه زيادة على مائة ألف إنسان، من رجل، وامرأة، وكلّ قد روى عنه سماعًا، أو رؤيةً، فَعِلمُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثير. ولكنها لا تنافي الأُولى؛ لقوله فيها زيادة مع أنها أقرب لعدم التورط فيها بعهدة الحصر.
نَعَم روى الحاكم في "الإكليل" من حديث معاذ قال: "خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى غزوة تبوك زيادةً على ثلاثين ألفًا"، وبهذه العدّة جزم ابن