أخرى، وفيه كثرة الملائكة على سائر المخلوقات، (ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى) هكذا وقع في الأصول "السدرة" بالألف واللام، وفي الروايات بعد هذا:"سدرة المنتهى" بالإضافة، وسيأتي عند المصنّف (١) في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنها سُمِّيت بذلك؛ لأنه إليها يَنتهي ما يُعرَج به من الأرض فيُقبَض منها، وإليها ينتهي ما يُهبَط به من فوقها فيُقبض منها.
وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: سُمِّيت سدرة المنتهى؛ لأن علم الملائكة ينتهي إليها، ولم يجاوزها أحدٌ إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -: وهذا لا يعارض حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - المتقدم، لكن حديث ابن مسعود ثابت في "الصحيح"، فهو أولى بالاعتماد، وأورده النووي بصيغة التمريض، فقال: وحُكِي عن ابن مسعود أنها سُمّيت بذلك … إلخ هكذا أورده، فأشعر بضعفه عنده، وهو صحيح مرفوع، فكان الأولى له إيراده بالجزم.
وقال القرطبيّ في "المفهم": ظاهر حديث أنس - رضي الله عنه - أنها في السابعة؛ لقوله بعد ذكر السماء السابعة:"ثم ذَهَب بي إلى السدرة"، وفي حديث ابن مسعود أنها في السادسة، وهذا تعارض لا شكّ فيه، وحديث أنس هو قول الأكثر، وهو الذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل نبي مرسل، وكل ملك مقرَّب، على ما قال كعب، قال: وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله أو من أعلمه، وبهذا جزم إسماعيل بن أحمد.
وقال غيره: إليها منتهى أراوح الشهداء، قال: ولترجح حديث أنس بأنه مرفوع، وحديث ابن مسعود موقوف، قال الحافظ: كذا قال، ولم يُعَرِّج على الجمع بل جزم بالتعارض، قال: ولا يعارض قولُهُ: "إنها في السادسة" ما دلت عليه بقية الأخبار أنه وصل إليها بعد أن دخل السماء السابعة؛ لأنه يُحمَل على أن أصلها في السماء السادسة، وأغصانها وفروعها في السابعة، وليس في السادسة منها إلا أصل ساقها.