للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

والحكمة في تقدمه أن يقرع سمعه الوحيُ، فلا يبقى فيه مكان لغيره، ولمّا كان الجرس لا تحصل صلصلته إلا متداركة وقع التشبيه به، دون غيره من الآلات. انتهى ما في "الفتح" (١).

(وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ) وفي بعض النسخ: "وهو أشدّ عليّ"؛ أي: إن هذا النوع من الوحي، أشد أنواع الوحي عليّ، قال في "الفتح": يُفْهَم منه أن الوحي كله شديد، ولكن هذه الصفة أشدّها، وهو واضح؛ لأن الفهم من كلام مثل الصلصلة أشكل من الفهم من كلام الرجل بالتخاطب المعهود، والحكمة فيه أن العادة جرت بالمناسبة بين القائل والسامع، وهي هنا إما باتّصاف السامع بوصف القائل بغلبة الروحانية، وهو النوع الأول، وإما باتصاف القائل بوصف السامع، وهو البشرية، وهو النوع الثاني، والأول أشدّ بلا شك.

وقال شيخ الإسلام البلقينيّ: سبب ذلك أن الكلام العظيم له مقدمات تُؤْذِن بتعظيمه؛ للاهتمام به، كما في حديث ابن عباس: "كان يعالج من التنزيل شدّةً"، قال: وقال بعضهم: وإنما كان شديدًا عليه؛ ليستجمع قلبه، فيكون أوعى لِمَا سمع. انتهى.

وقيل: إنه إنما كان ينزل هكذا إذا نزلت آية وعيد أو تهديد، وهذا فيه نظر، والظاهر أنه لا يختص بالقرآن، كما بُيِّن في حديث يعلى بن أمية -رضي الله عنه- في قصة لابس الجبة المتضمِّخ بالطيب في الحج، فإن فيه أنه رآه -صلى الله عليه وسلم- حال نزول الوحي عليه، وإنه ليغطّ، وفائدة هذه الشدّة ما يترتب على المشقة من زيادة الزلفى والدرجات.

(ثُمَّ يَفْصِمُ عَنِّي) -بفتح أوله، وسكون الفاء، وكسر الصاد المهملة-؛ أي: يُقلع، ويتجلى ما يغشاني، ويُروى بضم أوله، من الرباعيّ، وفي رواية لأبي ذرّ بضمّ أوله، وفتح الصاد على البناء للمجهول، وأصل الفصم: القطع، ومنه قوله تعالى: {لَا انْفِصَامَ لَهَا} [البقرة: ٢٥٦]، وقيل: الفصم بالفاء: القطع بلا إبانة، وبالقاف: القطع بإبانة، فَذِكْرُه بالفصم إشارةٌ إلى أن الملك فارقه؛ ليعود، والجامع بينهما بقاء العلقة، قاله في "الفتح" (٢).


(١) "الفتح" ١/ ٤٩ - ٥٠، كتاب "بدء الوحي" رقم (٢).
(٢) "الفتح" ١/ ٤٩ - ٥٠، كتاب "بدء الوحي" رقم (٢).