وقال الكرماني: الجَرَس: شِبْه ناقوس صغير، أو سَطْل في داخله قطعة نُحاس معلَّق منكوسًا على البعير، فإذا تحركت النحاسة، فأصابت السطل، فتحصل صلصلة، والعامة تقول: جرص بالصاد، وليس في كلام العرب كلمة اجتمع فيها الصاد والجيم، إلا الصمج، وهو القِندِيل، وأما الجص فَمُعَرّب.
وقال ابن دريد: اشتقاقه من الجَرْس؛ أي: الصوت والحس. وقال ابن سِيَده: الجَرْس؛ أي: بالفتح، والجِرْس؛ أي: بالكسر، والجَرَسُ؛ أي: بفتحتين: الحركة والصوت من كل ذي صوت. وقيل: الْجَرْس بالفتح إذا أُفرد، فإذا قالوا: ما سمعتُ له حِسًّا ولا جِرْسًا كسروا، فأتبعوا اللفظ باللفظ. انتهى (١).
قال في "الفتح":
[فإن قيل]: المحمود لا يُشَبَّهُ بالمذموم؛ إذ حقيقة التشبيه إلحاق ناقص بكامل، والمشبَّه الوحي، وهو محمود، والمشبَّه به صوت الجرس، وهو مذموم، لصحة النهي عنه، والتنفير من مرافقة ما هو معلَّق فيه، والإعلام بأنه لا تصحبهم الملائكة، كما أخرجه مسلم، وأبو داود، وغيرهما، فكيف يشبه ما فعله الملك بأمر تنفر منه الملائكة؟.
[والجواب]: أنه لا يلزم في التشبيه تساوي المشبَّه بالمشبَّه به في الصفات كلها، بل ولا في أخص وصف له، بل يكفي اشتراكهما في صفةٍ ما، فالمقصود هنا بيان الجنس، فذَكَر ما ألِفَ السامعون سماعَهُ تقريبًا لأفهامهم.
والحاصل: أن الصوت له جهتان: جهة قوة، وجهة طَنِين، فمن حيث القُوَّةُ وقع التشبيه به، ومن حيث الطرب وقع التنفير عنه، وعلل بكونه مزمار الشيطان.
ويَحْتَمِل أن يكون النهي عنه وقع بعد السؤال المذكور، وفيه نظر.
قيل: والصلصلة المذكورة: صوت الملك بالوحي. قال الخطابي: يريد أنه صوت متدارك، يسمعه، ولا يتبيّنه أولَ ما يسمعه حتى يفهمه بعدُ. وقيل: بل هو صوت حفيف أجنحة الملك.