للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقد أخرج مسلم من حديث أبي ذرّ: "أن الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة"، وله شاهد من حديث ثوبان، وهو حجة على القرطبيّ، لا له؛ لأنه قد تقدم أن الصراط جسر جهنم، وأنه بين الموقف والجنة، وأن المؤمنين يمرون عليه لدخول الجنة، فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يَصُبّ من الكوثر في الحوض، وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها.

وفي حديث ابن مسعود عند أحمد: "ويُفتح نهر الكوثر إلى الحوض"، وقد قال القاضي عياض: ظاهر قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث الحوض: "مَن شَرِب منه لم يظمأ بعدها أبدًا" يدلّ على أن الشرب منه يقع بعد الحساب، والنجاة من النار؛ لأن ظاهر حال من لا يظمأ أن لا يعذَّب بالنار، ولكن يحتمل أن من قُدّر عليه التعذيب منهم أن لا يعذَّب فيها بالظمأ، بل بغيره.

وتعقّبه الحافظ، فقال: ويدفع هذا الاحتمال أنه وقع في حديث أُبَيّ بن كعب عند ابن أبي عاصم في ذِكر الحوض: "ومن لم يشرب منه لم يَرْوَ أبدًا"، وعند عبد الله بن أحمد في زيادات "المسند" في الحديث الطويل، عن لقيط بن عامر: أنه وَفَدَ على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو ونَهِيك بن عاصم، قال: فقَدِمنا المدينة عند انسلاخ رجب، فلقينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين انصرف من صلاة الغداة. . . الحديث بطوله، في صفة الجنة، والبعث، وفيه: "تُعْرَضون عليه بادية له صفاحكم، لا تخفى عليه منكم خافية، فيأخذ غرفة من ماء، فينضح بها قِبَلَكم، فلعَمْرُ إلهك ما يخطئ وجه أحدكم قطرة، فأما المسلم فتَدَعُ وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما الكافر فتَخْطِمه مثل الخطام الأسود، ثم ينصرف نبيّكم، وينصرف على إثره الصالحون، فيسلكون جِسْرًا من النار، يطأ أحدكم الجمرة، فيقول: حَسْ، فيقول ربك: أو إِنّه (١)، ألا فيطلعون على حوض الرسول على أظمأ -والله- ناهلةٍ رأيتها أبدًا، ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع على قدح. . ." الحديث، وأخرجه ابن أبي عاصم في "السُّنَّة"، والطبرانيّ، والحاكم، وهو صريح في أن الحوض قبل الصراط. انتهى.


(١) وفي "النهاية" لابن الأثير ص ٥١: "وإنه"، بحذف الهمزة من أوله، قال: أي: وإنه كذلك، أو: إنه على ما تقول، وقيل: "إنّ" بمعنى: نعم، والهاء للوقف. انتهى.