للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وفي هذه الأحاديث تخصيص حديث الأوقات التي بيَّنها جبريل -عَلَيْهِ السَّلامُ- للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبيَّنها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- للأعرابيّ بقوله في آخرها: "الوقت ما بين هذين". انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وظاهره أنه أخّر الصلاتين إلى آخر وقتهما المشترك، وهو حجَّة لمالك، فإنَّه يقول بجواز كل ذلك، على تفصيل له في الأفضل من ذلك، كما قدَّمناه، وهو أيضًا حجة للشافعيّ عليه في اشتراطه في جواز الجمع بين الصلاتين استعجال السير، والشافعي لا يشترطه، وقد تقدَّم كلّ ذلك في "كتاب الصلاة". انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "إلى آخر وقتهما المشترك" فيه نَظَر، بل الظاهر أنه أخَّر إلى وقت الثانية، فهو حجة ظاهرة لمن يقول بالجمع الحقيقيّ في وقت إحداهما، وهو الصحيح، وقد قدّمنا تحقيق ذلك في "كتاب صلاة المسافرين"، فراجعه تستفد علمًا جمًّا، والله تعالى وليّ التوفيق.

(ثُمَّ قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("إِنَّكُمْ) أيها الصحابة (سَتَأْتُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ) قاله تبرّكًا، وامتثالًا لقوله -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف: ٢٣، ٢٤]. (عَيْنَ تَبُوكَ) قال القرطبيّ: ظاهره: أن هذا منه -صلى الله عليه وسلم- إخبار عن غيب بوحي، ويَحْتَمِل غير ذلك. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى بُعد الاحتمال الثاني، فلا تبصّر. وفيه ردّ لقول من قال: إن سبب تسميتها تبوك قوله -صلى الله عليه وسلم- للرجلين اللذين سبقا إلى العين: "ما زلتما تبوكونها منذ اليوم"؛ لأن هذا القول قاله قبل أن يصل إلى تبوك بيوم، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(وَإِنَّكُمْ لَنْ تَأْتُوهَا حَتَّى يُضْحِيَ النَّهَارُ)؛ أي: يكون النهار وقت الضحى، يقال: أضحى فلان: إذا صار في وقت الضحى. (فَمَنْ جَاءَهَا مِنْكُمْ فَلَا) ناهية، ولذا جزم بها قوله: (يَمُسُّ) بفتح الميم، وضمّها، مضارع مسّ يَمَسّ، ويَمُسُّ، من بابي تَعِبَ، وقَتَل، فعلى الأول يجوز كسر السين على أصل التخلّص من


(١) "شرح الزرقانيّ على الموطّأ" ١/ ٤١٥.
(٢) "المفهم" ٦/ ٥٤ - ٥٥.