للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأمر بالصلاة زيادة، فينبغي أن تزاد على ما في هذه الرواية، فيفعل الجميع، ويَحْتَمِل أن يقال: إنما اقتصر في هذا الموضع على ذكر الصلاة وحدها؛ لأنَّه إذا صلَّى تضمَّن فِعله للصلاة جميع تلك الأمور؛ لأنَّه إذا قام إلى الصلاة تحوَّل عن جنبه، وإذا تمضمض نَفَث، وبصق، وإذا قام إلى الصلاة تعوَّذ، ودعا، وتفرَّغ لله تعالى في ذلك في حالٍ هي أقرب الأحوال إجابةً، كما قدَّمناه، والله تعالى أعلم، قاله القرطبيّ رحمه الله (١).

(وَلَا يُحَدِّثْ بِهَا النَّاسَ) من التحديث، وفي الرواية الماضية: "ولا يُخبر بها أحدًا"، قال القرطبيّ رحمه الله: أي: لا يُعَلِّق نفسه بتأويلها، إذ لا تأويل لها، فإنها من أُلْقيات (٢) الشيطان التي يقصد بها التشويش على المؤمن، إما بتحزين، وإما بترويع، أو ما أشبه ذلك، وفِعْلُ ما ذُكر كافٍ في دفع ذلك، ومانعٌ من أن يعود الشيطان لمثل ذلك، وهذا هو الذي فهمه أبو سلمة من الحديث -والله تعالى أعلم- فقال: "إن كنت لأرى الرؤيا أثقل عليَّ من الجبل، فما أباليها"، وفي أصل كتاب مسلم قال: "كنت لأرى الرؤيا أُعْرَى لها، غير أني لا أزَّمَّل"؛ أي: تصيبي الْعُرَوَاء، وهي الرِّعْدة، وقال في رواية أخرى: "إن كنت لأرى الرؤيا، فَتُمْرِضني غير أنِّي لا أزَّمَّل لها"، والتزميل: اللفّ، والتَّدثير، يعني: أنَّها ما كانت تدوم عليه، فيحتاج إلى أن يدَّثَّر، لكنه بنفس ما كان يفعل ما أمر به النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- من النفث، والتعوُّذ، وغيره يزول عنه ذلك، ببركة الصدق، والتصديق، والامتثال، وفائدة هذا أن لا يَشْغَل الرائي نفسه بما يَكره في نومه، وأن يُعرِض عنه، ولا يلتفت إليه، فإنَّه لا أصل له، هذا هو الظاهر من الأحاديث، والله تعالى أعلم. انتهى (٣).

(قَالَ: وَأُحِبُّ الْقَيْدَ) قال القرطبيّ رحمه الله: ظاهره أنه من قول النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، غير أن أيوب السختيانيّ هو الذي رَوَى هذا الحديث عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، وقد أخبر عن نفسه أنه شكَّ: هل هو من قول النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، أو من


(١) "المفهم" ٦/ ١٩.
(٢) "الأُلْقية" كأُغْنية: ما أُلقي من التحاجي. اهـ. "القاموس" ص ١١٨٥.
(٣) "المفهم" ٦/ ١٩ - ٢٠.